مقال

الإمام مسلم بن الحجاج ” جزء 1″

الإمام مسلم بن الحجاج ” جزء 1″

بقلم / محمــد الدكــرورى

 

هو الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري وقشير هي قبيلة من العرب معروفة، ونيسابور هي مدينة مشهورة بخراسان من أحسن مدنها، وأجمعها للعلم والخير، وقد ولد بنيسابور سنة مائتان وستة هجريا ونشأ في بيت اشتهر بالعلم وكان والده شيخا معلما يقصده الناس، وقد كان لذلك أثر فيما وصل إليه، كما كان حافزا له ليستزيد من العلم، فقد نشأ الإمام مسلم في بيت تقوى وصلاح وعلم، فقد كان والده حجاج بن مسلم القشيري هو أحد محبي العلم، وأحد من يعشقون حلقات العلماء، فتربى الإمام وترعرع في هذا الجو الإيماني الرائع، وقد بدأ الإمام مسلم رحمه الله رحلته في طلب العلم مبكرا، فلم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره حين بدأ في سماع الحديث، وكان من عادة الناس زمن الإمام مسلم.

 

أن يبعثوا أولادهم إلى الكتاب، لتعلم القرآن الكريم، وما يتبعه من علوم اللغة العربية، وكان الإمام مسلم ممن نشأ في هذه الأماكن، وكان لوالده عليه فضل كبير في تعليمه العلم الشرعي، فقد كان والده الحجاج بن مسلم شيخا من الشيوخ الذين تصدروا لتعليم الناس العلوم الشرعية، مما دفعه للالتزام في طلب العلم والبحث عنه، وكان للإمام مسلم رحمه الله شيوخ كثيرون، بلغ عددهم مائتين وعشرين رجلا، وقد سمع بمكة من عبد الله بن مسلمة القعنبي، فهو أكبر شيخ له، وسمع بالكوفة والعراق والحرمين ومصر، وخلف الامام مسلم الإمام البخاري في المكانة العلمية، وأصبح إمام خراسان في الحديث، واشتهر بأنه من حفّاظ الدنيا، وذاع صيته بين الناس، فمدحوه وأثنوا عليه، كما وقد ذاع صيته بين العلماء، حيث إن علماء عصره ومن تبعهم أثنوا على غزارة حفظه.

 

وكثرة علمه، ودقة ضبطه، وشدة ورعه، وقيل عنه إنه أعلم أهل الحديث، وقدّمه علماء عصره على غيره من العلماء كما قدّموا صحيحه على غيره من المؤلفات، ولم يخالف أحد من العلماء في عظم قدره وإمامته وتمكّنه في علم الحديث، وقد بان هذا جليا في كتابه الصحيح الذي لاقى القبول حتى عصرنا الحالي، وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره، فخرّج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين، واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه، وكرّر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث، فتكررت لذلك أحاديثه حتى يقال إنه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين، منها ثلاثة آلاف متكررة، وفرّق الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب.

 

ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله، فقام بتأليف مسنده الصحيح، حذا فيه حذو البخاري في نقل المجمع عليه، وحذف المتكرر منها، وجمع الطرق والأسانيد، وبوّبه على أبواب الفقه وتراجمه، ومع ذلك فلم يستوعب الصحيح كله، وقد استدرك الناس عليه وعلى البخاري في ذلك، وقال الحسين بن محمد الماسرجسي سمعت أبي يقول سمعت مسلما يقول “صنفت هذا الكتاب أى المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة” وقد استغرقت مدة تأليفه لهذا الكتاب خمسة عشر عاما، قال أحمد بن سلمة “كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة” وقد ألفه في بلده، كما ذكر ابن حجر في مقدمة فتح الباري حيث قال “إن مسلما صنف كتابه في بلده، بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق”

 

ويعد صحيح مسلم من أصح كتب الحديث بعد صحيح الإمام البخاري، وبه عُرف الإمام مسلم وبه اشتهر، وبدأ بتأليف هذا الكتاب وعمره تسعة وعشرين عاما ببلدة نيسابور، وذلك بعد أن قابل العلماء هناك وأخذ عنهم، واستغرق منه خمسة عشر عاما حتى أنهاه، وذلك سنة مائتين وخمس للهجرة، وسمّاه المسند الصحيح المختصر من السنن، بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث كتابه هي أحاديث مستقاة من بين ثلاثمائة ألف حديث سمعها من شيوخه أثناء تنقله بين البلدان، وخلص إلى ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثين حديثا منها من غير تكرار، ويصل عدد الأحاديث مع تكرارها في الأبواب المختلفة إلى سبعة آلاف وثلاثمائة وخمسة وتسعين حديثا، إضافة إلى عشرة أحاديث ذكرها في مقدمة كتابه، وقد اتصف الإمام مسلم بجميل الصفات والأخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى