مقال

الغبطة في الإسلام ” جزء 1″

الغبطة في الإسلام ” جزء 1″

بقلم / محمــد الدكــرورى

 

إن الغبطة هو تمني النعمة ورجاؤها، ولكن دون أن تزول من الآخرين ولقد بين لنا النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن ما يستحق أن يتمناه المسلم هو العلم النافع، والعمل به وتعليمه للناس وكذلك المال الصالح للعبد الصالح الذي ينفقه في وجوه الخير والبر، فالمؤمن بطبيعته لا يحسد ولا يتمنى زوال نعمة الغير، بل هو الذي يتمنى الخير للناس جميعا لأن قلبه طاهر من أدران المعاصي والنفاق والشقاق، وكلامه طيب يرضي الله عز وجل، ونفسه هادئة راضية مرضية صابرة محتسبة قانعة بما قسمه الله تعالي، وإذا كان الحسد خطيئة كبرى، وذنبا أعظم، ومعصية ماحقة، فإن هنالك نوعا من الحسد مرغوبا محبوبا، محمودا مطلوبا، إنه حسد في المسمى، ولكن المعنى مختلف، إنه يدفع إلى التنافس، ويحث على التسابق، ويدعو إلى المسارعة، وإنه ينم عن علو الهمة.

 

وقوة العزيمة، وتوقد الذهن، وحياة الروح، فالمسلم الحكيم هو الذي يتجنب الحسد على الأحوال كلها ولا يستسلم لوساوس النفس، لأن أهون خصال الحسد ترك الرضا بالقضاء وانطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم، والإنسان العاقل هو الذي لا يحصل منه تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء أكانت نعمة دين،أو دنيا، فلا يضمر سوءا لأحد، أو يرجو اندحار خصمه، أو إزالة خيراته، ولكن إذا تمنى مثل هذه النعمة،أو العز، أو الجاه، فلا حرج عليه،لأن هذا يسمى الغبطة ومن سمات المسلم العاقل هو صفاء النفس من الغش والحسد ومن الغدر والضغينة، وإن هذا الصفاء ليدخل صاحبه الجنة بإذن الله تعالى، ويقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالا سلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها، ويعلمها” متفق عليه.

 

وهذا هو الأمر الأجل الكبير العظيم الذي يجب أن تتطلع النفوس إلى نيله، وتتسابق الهمم لتحصيله، وإن أجل منصبين، وأعظم نعمتين هما المال الوفير، والعلم الغزير، فالمال منة من أجل المنن، ونعمة من أكبر النعم، وإنه الوسيلة لصيانة النفس، وعزة الروح، وحفظ الكرامة، واستعلاء اليد، وتحقيق المطامح، والوصول للمآرب، والإسعاد للنفس، والإيناس للأهل، والمكانة في المجتمع، والمهابة لدى الناس، وطيب المعيشة، وحسن المظهر، وارتقاء الدرجة، وعلو المنزلة، والجود على الناس، والإحسان للبشر، وما من مطمح مأمول فيه إلا والمال سبيل للوصول إليه، ولكنه مع كل ذلك لا يكون نعمة حقيقية، ولا ميزة جوهرية، حتى يوفق أربابه إلى حُسن استخدامه، وجميل تسخيره فيعرفون أنه منة من الباري، وعطاء من العظيم وأنه فتنة ومضله ومزله.

 

إن لم يمضي به المرء إلى مراد الله فيشكره على ذلك شكرا عمليا، بتسخيره فيما يحب، وإنفاقه فيما يأمر، وصرفه فيما ينفع ويرفع، وبذله في وجوه الخير، وصرفه في أنواع البر، ولا يبخل به عن معروف، ولا يشح به عن واجب، فتكون النعمة نعمتين، والروعة روعتين، يعيش غنيا، ويحشر تقيا، هذا هو الذي يحسد أمثاله، ويغبط أشباهه، وكيف لا يغبط صاحب المال الذي يسلطه في الحق، وهو في أجر دائم، وحسنات دائبة، وخير عميم، ودعاء عريض؟ والله يحبه، والناس تحبه القلوب تدين له، والأرواح تبجله، والملائكة تحفه وما من يوم إلا والمنادي ينادي “اللهم أعط منفقا خلفا” وينمّي الله حسناته، ويضاعف مثوبته ويفك الأسير، ويعين الفقير، ويسعد الشقي، ويعطي اليتيم، ويحنو على الضعيف، ويجود على القريب، ويصل الرحم، وينفس الكروب.

 

وينصر الإسلام، ويدعم الجهاد، ويقوّي دعائم الدين، ويُسهم في عزة المسلمين، ويقيل عثرات العاثرين، ويبني المساجد، ويشيد المدارس، ويقيم المعاهد، ويعالج المرضى، ويطعم الجوعى، ويسعف المنكوبين، ويقضي دين المدينين وما من خير إلا ويسهم فيه، ولا بر إلا يسابق إليه، حسانته أنهار رقراقة، وأجره عيون دفاقة، فيعطي ويعطيه الله، وينفق فيعوضه الله، ويبذل فيخلفه الله، ويصرف فيحبه الله، ويجود فيجود عليه الله، ويكرم فيكرمه الله، ويُسعِد فيسعده الله، ويرحم فيرحمه الله تعالي، والله عز وجل به يباهي، والملائكة له تحف، والكتَبة يسجّلون، والناس يدعون، والفقراء يبتهلون، واليتامى يناجون، والأجر والخير فنون وفنون، أفلا يحسد أمثاله، ويغبط أشباهه؟ يا له من خير عميم، وفضل كريم، وعطاء جسيم، أما النعمة الأخرى.

 

 

والفضيلة الثانية التي تشرئب لها القلوب، وتتطلع إليها النفوس، فهي العلم، ولكن أي علم؟ والحكمة، ولكن أي حكمة؟ إنه العلم النقي الزكي، النافع المبارك، الذي تحيا به القلوب، وتزكو به النفوس، وتسمو به المشاعر، إنه العلم المزيّن بالحكمة، ولكنها الحكمة التي تظهر آثارها، وتبدو ثمارها، الحكمة التي يعلمها الإنسان للناس، ويبثها للأمم، ويجود بها للجماهير، ويغرسها في قلوب الأتباع، وإنها الحكمة التي يقضي بها، يقضي في الخصومات، يقضي بها في الحكم على الناس، يقضي بها في الأقوال والأفعال، يقضي بها ماديا ومعنويا وفكريا، إنها حكمة يستنير بضوئها في كل شأن من شؤون التعامل مع الناس، وهو مع ذلك لا يحتفظ بحكمته في صدره، ولا يبخل بها على غيره، بل هو يجاهد لتعليمها، ويسعى لتفهيمها فهو عالم حكيم أشرقت أنوار علمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى