مقال

الدكرورى يتكلم عن القائد الفاتح عقبة إبن نافع ” جزء 3″

الدكرورى يتكلم عن القائد الفاتح عقبة إبن نافع ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع القائد الفاتح عقبة إبن نافع، وبعدما انتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان ومسجدها الجامع، جاءه الأمر الخليفي بالتنحّي عن ولاية إفريقية، وتولية رجل من جنود عقبة اسمه أبو المهاجر بن دينار، وهو رجل مشهور بالكفاءة وحسن القيادة، فما كان رد فعل القائد المظفر الذي فتح معظم الشمال الأفريقي وحقق بطولات فائقة عندما جاءه خبر العزل ؟ هل تمرد ؟ هل امتنع أو حتى تذمر؟ كلا والله، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلا المناصب تبهرهم ولا الدنيا تفتنهم ولا الأحقاد تعرف إلى قلوبهم طريقا، إنهم خالصين مخلصين لا يريدون إلا وجه الله عز وجل، امتثل عقبة فورا للأمر وانتظم في سلك الجندية، واستطاع أبو المهاجر القائد الجديد أن يحقق عدة مكاسب إستراتيجية في الشمال الأفريقي على حساب التواجد الرومي بهذه المناطق.

 

واستطاع أيضا، يستميل زعيم قبائل البربر وهو كسيلة بن لمزم، وكان كسيلة شديد التأثير على قومه، قوى الشخصية، محبوبا في قومه، مطاعا منهم، وكان نصرانيا متمسكا بدينه وكان نجاح أبى المهاجر في إقناعه بالإسلام مكسبا كبيرا للإسلام والمسلمين، ولكن القائد المحنك عقبة صاحب النظرة الثاقبة الخبيرة بطبائع البربر، لم يطمئن لإسلام كسيلة، خاصة وأنه قد أسلم بعد وقوعه في أسر المسلمين وبعدما ذاق حر سيوفهم، وقد صدق هذا الحدس، ولم يمضي كثيرا من الوقت حتى عاد الأسد الضاري عقبة بن نافع إلى قيادة الجهاد ببلاد المغرب وانتقل أبو المهاجر في صفوف الجنود مجاهدا مخلصا، وهكذا نرى خير الأمة ينتقل الواحد منهم من الرئاسة إلى عامة الجند بمنتهى اليسر والسهولة، بلا مشاكل أو اعتراض، وبلا أحقاد وأضغان.

 

وذلك لأن الكل يبتغى مرضات الله ولا يريد شيئا من عرض الدنيا الزائل، وحقق عقبة بن نافع غايته من حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأسا شديدا، حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر عقبة العودة إلى القيروان، فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من الصحابة أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجا ثقة منه بما نال من عدوه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة تهوذة ، فلما رآه الروم في قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام وعندها أظهر كسيلة، مكنون صدره الذي كان منطويا على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند عقبة بن نافع واتفق مع الروم على الغدر بعقبة وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين.

 

وجمع جموعا كثيرة للهجوم على عقبة ومن معه، وكان أبو المهاجر في ركب عقبة ولكن عقبة قد غضب منه فقيده، فلما رأى أبو مهاجر هجوم كسيلة ومن معه، ففك عقبة وثاقة وقال له، الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا أغتنم الشهادة، فقال أبو المهاجر له وأنا أيضا أريد الشهادة وكسر عقبة والمسلمين أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد عقبة وكل من معه في أرض الزاب بتهوذة وذلك سنة ثلاثة وستون من الهجرة، وكان عقبة بن نافع رضي الله عنه مثالا في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم، والعقلية العسكرية الاستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله عز وجل فأحبه رجاله وأحبّه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، مظفر الراية، فلم يُهزم في معركة قط.

 

وقد طبّق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال، مثل مبدأ المباغتة، وتحشيد القوات، وإقامة الحاميات، وتأمين خطوط المواصلات، واستخدام سلاح الاستطلاع، وإن البطل عقبة بن نافع قد حقق أعمالا عسكرية باهرة، بلغت حد الروعة والكمال، وأنجز في وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثرا كبيرا في نفوس البربر، وأصبح من يومها يلقب بسيدي عقبة رضي الله عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى