مقال

الدكرورى يكتب عن غزوة حنين “جزء 3”

الدكرورى يكتب عن غزوة حنين “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع عزوة حنين، ولم يذوقوا من التعذيب والصد والامتراء ما لاقاه الأوائل من المهاجرين والأنصار، ولم تحمل نفوسهم ثقة يوم بدر، ويقين يوم الأحزاب، وعزيمة يوم الفتح، حتى يكون ذلك عونا على رباطة جأشهم في يوم الكريهة الشديد، وكذلك ما وجد من العجب وضعف التوكل حين الكثرة، ولمباغتة العدو لهم بالرمي اعتبار كبير، وكان تحوّل الموازنة لصالح المسلمين لم يكن إلا عن تأييد من الله سبحانه وتعالى بعد أن أراهم عاقبة النظر إلى الكثرة وماديات الأسباب وإغفال جانب التوكل والتضرع والالتجاء إلى الله عز وجل فهو الناصر والمعين، ولذلك داول بينهم ليريهم، وليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين، فالنصر والهزيمة ونتائج المعارك لا يحسمها الكثرة والقلة، وإنما ثمة أمور أخر وراءها، لا تقل شأنا عنها.

 

إن لم تكن تفوقها أهمية واعتبارا، لتقرير نتيجة أي معركة، فكانت حنين بهذا درسا، استفاد منه المسلمون غاية الفائدة، وتعلموا منه قواعد النصر وقوانينه، ولعل من أسباب النصر بعد تأييد الله تعالى لجنده ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن انحاز ذات اليمين ثم قال “إلى أين أيها الناس؟ هلمّ إليّ أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله” وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن ابن أم أيمن، وقتل يومئذ ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم باستجاشة نفوس المهاجرين والأنصار وأصحاب الشجرة وبيعة الرضوان، مما جعل التفافهم حوله سريعا واستماتتهم القوية، وكذا شجاعة القائد .

 

وما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من رمي الحصيات والتراب في وجوه الكفار فانحلت به قواهم ووهنت أفئدتهم، وتزعزت صفوفهم، ومن المواقف المشرفة في هذه المعركة موقف الصحابية أم سُليم رضي الله عنها، وكانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه، فعن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم رضي الله عنها، اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها فرآها أبو طلحة، فقال يا رسول الله، هذه أم سليم، معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما هذا الخنجر؟ ” قالت اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت يا رسول الله، اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أم سليم، إن الله قد كفى وأحسن ” ثم إن من تداعيات هذه المعركة.

 

ما كان من مسألة تقسيم الغنائم، وقد غنم المسلمون مغانم كثيرة في هذه المعركة وكانت هذه القسمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنية على سياسة حكيمة، لكنها لم يتم فهمها الصحيح أول الأمر، فأطلقت ألسنة شتى بالاعتراض‏، والقيل والقال، أي تكلم الناس في هذه القسمة وأنها غير عادله ومنصفة كما زعموا، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال‏ لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القاله، يعني كثرة الكلام بين الناس، حتى قال قائلهم‏ لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال‏ يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدُوا عليك في أنفسهم.

 

لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء‏، فقال‏ ‏ صلي الله عليه وسلم ” ‏فأين أنت من ذلك يا سعد‏؟ “‏ قال‏‏ يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي‏،‏ قال‏‏ ‏” ‏فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة‏ ” فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا‏،‏ وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال‏ لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال‏‏ ” ‏يا معشر الأنصار، ما قَالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم‏؟‏ ” أي بمعني يقول الرسول لهم إنهم رأوا شيء أغضبهم منه صلي الله عليه وسلم “ألم آتكم ضُلالا فهداكم الله‏؟‏ وعالة فأغناكم الله‏؟‏ وأعداء فألف الله بين قلوبكم‏؟‏‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى