مقال

الدكروري يكتب عن الإمام علي بن أبى طالب “جزء 2”

الدكروري يكتب عن الإمام علي بن أبى طالب “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام علي بن أبى طالب، وإن قتلتم فأي شيء أفضل من المصير إلى رضوان الله وجنته، وبدءوا يحمّسون أنفسهم، والناس على الخروج على المسلمين الذين هم في نظرهم كفارا، فجمّعوا قواهم، وقرروا الخروج إلى المدائن في شمال شرق الكوفة، لكنهم غيّروا وجهتهم لقوة المدائن ومنعتها واتجهوا إلى مكان آخر قريب من الكوفة، وبدءوا يقطعون الطرق، ويقتلون المسلمين بحجة أن من رضي بالتحكيم فهو كافر مرتد يجب قتله، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت، وقتلوا زوجته رغم أنها كانت حاملا، فلما زاد فحشهم وكثرت جرائمهم قرر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقاتلهم، فخرج لهم بجيش كبير اختلف الرواة في تقدير عدده، ولكنه على أي حال كان يزيد كثيرًا عن جيش الخوارج، وقبل أن يدخل معهم في قتال.

 

أراد رضي الله عنه أن يجنب المسلمين شر القتال بعد ما حدث في موقعتي الجمل وصفين، وقتلت الأعداد الكبيرة من المسلمين، فبعث إليهم من يقول لهم عودوا إلى طاعة أميركم، يحكم بينكم فيقتل مَن قتل أحدا من المسلمين، ويعفو عن من لم يقتل، فاجتمعوا وقالوا كلنا قتل إخوانكم، وقد استحللنا دمائهم ودمائكم، فخرج إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنفسه، وبدأ في وعظهم، فقال لهم ارجعوا إلى ما خرجتم منه، ولا ترتكبوا محارم الله، فإنكم قد سولت لكم أنفسكم أمرا تقتلون عليه المسلمين، والله لو قتلتم عليه دجاجة لكان عظيما عند الله سبحانه وتعالى، فكيف بدماء المسلمين؟ فلم يكن لهم جواب إلا أن تنادوا بينهم لا تخاطبوهم، ولا تكلموهم، وتهيأوا للقاء الرب عز وجل، الرواح الرواح إلى الجنة، وكان هذا شعارهم، فرتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه جيشه.

 

وجعلت راية أمان مع الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وقال من ذهب إلى هذه الراية فهو آمن، أملا في تقليل عدد من يُقتل، ويقال أن عدد الخوارج كان اثنا عشر ألفا، ولما حاورهم عبد الله بن العباس رضي الله عنه تاب منهم أربعة آلاف، ورجعوا معه إلى علي رضي الله عنه، وبعد المحاورات والمناقشات الأخيرة رجع أربعة آلاف آخرون، وبقي أربعة آلاف على رأيهم، والتقى الجيشان فكانوا على أهبة الاستعداد للقتال، فعاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من جديد وقال لهم هذه راية أمان مع أبي أيوب الأنصاري، من توجه إليها فهو آمن، ومن عاد إلى الكوفة فهو آمن، ومن ذهب إلى المدائن فهو آمن، فبدأ البعض منهم بالانسحاب إما مكرًا وخديعة، ليخرج بعد ذلك، وإما خوفًا، فمنهم من توجه إلى راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه.

 

ومنهم من توجه إلى الكوفة أو المدائن، وتركهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما وعدهم، وبقي منهم ألف صامدون لقتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجيشه، الذي قيل في روايات كثيرة إن قوامه كان ما بين الستين والثمانية وستين ألفا من المسلمين، فقرر علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتلهم، وهكذا كان الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو ابن عمّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بشر النبى صلى الله عليه وسلم، أن موت عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين لن يكون موتا عاديا، بل سيكون شهادة في سبيل الله.

 

فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هو ثالث المبشرين بالشهادة في قوله صلى الله عليه وسلم لجبل حراء ” اسكن حراء، فما عليك إلا نبيّ أو صديق أو شهيد” وهو علي رضي الله عنه، وقد أنبأه النبي صلى الله عليه وسلم، في موقف وحديث آخر بأنه سيُقتل بضربة في صدغيه، ولعلم ويقين الإمام علي رضي الله عنه بما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقتل ويموت شهيدا، فإنه ما كان يخاف على نفسه الهلكة من أي مرض يصيبه، فعن أبي سنان الدؤولي أنه عاد أى زار، عليّا رضي الله عنه في شكوى له شكاها، قال فقلت له لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال لكني والله ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول “إنك ستضرب ضربة ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود” رواه الحاكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى