مقال

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 3″

الدكروري يكتب عن تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثالث مع تحويل القبلة في الشريعة الإسلامية، فيروي ابن عباس رضي الله عنهما كما نقل الترمذي عنه، أن النبي صلي الله عليه وسلم حين وجه إلى الكعبة قالوا “يا رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يُصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى ” وما كان الله ليضيع إيمانكم” ويروي ابن كثير أن الله سبحانه وتعالى أوضح حكمته من هذا الأمر ردا على من شكك وارتاب بهذه الواقعة فيقول ابن كثير “فقال سبحانه وتعالى “وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول” وقال ابن عباس رضي الله عنهما إلا لنرى من يتبع الرسول صلي الله عليه وسلم ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة أي وإن كانت هذه الكائنة العظيمة الموقع كبيرة المحل شديدة الأمر إلا على الذين هدى الله أي فهم مؤمنون بها مصدقون لها.

لا يشكون ولا يرتابون بل يرضون، ويسلمون، ويؤمنون ، ويعملون لأنهم عبيد للحاكم العظيم القادر المقتدر الحليم الخبير اللطيف العليم” وإن قبلتنا تذكرنا بضرورة تميز المسلمين عن غيرهم، حيث أنه لم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم في الصلاة والعبادة وتخصيصه كي يتميز المسلم وينفرد بتصوره ومنهجه واتجاهه، فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد، كما أنه بدوره ينشئ شعورا بالامتياز والتفرد، ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بغير المسلمين في خصائصهم التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قَال، قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم” رواه أبو داود، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبِي صلى الله عليه وسلم قَال.

” خالفوا المشركين وفروا اللحي، واحفوا الشوارب” رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” جزوا الشوارب وأرخوا اللحي خالفوا المجوس” رواه مسلم، ولقد أدرك اليهود مدى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على هوية الأمة وتميزها، والإمعان في مخالفتهم حتى قال قائلهم “ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه” رواه مسلم، وإن قبلتنا تذكرنا بتخليص القلوب من نعرات الجاهلية، حيث كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة، وكل عصبية لغير منهج الله تعالى، فقد انتزعهم من الاتجاه إلى البيت الحرام، وشاء لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى لفترة ليست بالقصيرة.

وما ذاك إلا ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية، ثم لما خلصت النفوس وجهها الله تعالى إلى قبلة خاصة تخالف قبلة أهل الديانات السماوية الأخرى، وقد وصف الله تعالى هذه القدرة على تخليص النفوس بأنها كبيرة، حيث قال تعالي في سورة البقرة ” وإن كانت لكبيرة إلا علي الذين هدي” وكما أن قبلتنا تذكرنا أن مَن عاش على القبلة مات عليها، فعن عبدالرحمن بن الحارث المخزومي، قال اشتد وجع سعيد بن المسيب، فدخل عليه نافع بن جبير يعوده، فأغمي عليه، فقال نافع وجهوه إلى القبلة، ففعلوا، فأفاق، فقال مَن أمركم أن تحولوا فراشي إلى القبلة، أنافع؟ قال نعم، قال له سعيد لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهكم فراشي، وإن التطبيق العملي من هذه المناسبة وهو تحويل القبلة، هو تحويل حالنا مع الله تحويل حالنا من العقائد المنحرفة.

والخرافات الضالة والشعارات الخادعة إلى العقيدة السليمة المستقيمة، وتحويل حالنا من ارتكاب المعاصي والخنا والمسكرات المخدرات والجرائم والفجور إلى العبادة والطاعة والعمل ليوم النشور، وتحويل حالنا من الكسل والخمول والتسكع إلي السعي والكسب والاجتهاد وابتغاء الرزق، وتحويل حالنا من الظلم والقهر والاستبداد، إلى العدل والحرية والمساواة، وتحويل حالنا من التشرذم والتحزب والتشتت والاختلاف إلى الوحدة والاتحاد والاعتصام والائتلاف، وتحويل حالنا من الحقد والغل والحسد والبغضاء لبعضنا البعض، إلى الحب والنقاء والإيثار والإخاء والتراحم فيما بيننا، ولا سيما ونحن مقبلون على شهر كريم وقد سئل ابن مسعود كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ قال ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى