مقال

الدكروري يكتب عن عدلت شهادة الزور الشرك بالله ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن عدلت شهادة الزور الشرك بالله ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع عدلت شهادة الزور الشرك بالله، وإن كان مبالغة في الزجر لكنه يقع مانعا عن الرجوع، فوجب التخفيف نظرا إلى هذا الوجه، وقد ذكر الزيلعى نقلا عن الحاكم أبى محمد الكاتب أن هذه المسألة على ثلاثة أوجه، أحدها أن يرجع على سبيلِ التوبة والندامة، فإنه لا يعزر بإجماع أئمة الحنفية، والثاني أن يرجع من غير توبة، وهو مصر على ما كان منه، فإنه يعزر بإجماعهم، والثالث ألا يعلم رجوعه بأى سبب فإنه على الاختلاف الذي ذكرنا، وأما عن القضاء بشهادة الزور، وأنه ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وأبو يوسف ومحمد وزفر من الحنفية، وإسحاق وأبو ثور، إلى أن قضاء الحاكم بشهادة الزور ينفذ ظاهرا لا باطنا، لأن شهادة الزور حُجة ظاهرا لا باطنا، فينفذ القضاء كذلك، لأن القضاء ينفذ بقدر الحجة.

 

ولا يزيل شيئا عن صفته الشرعية، سواء العقود من النكاح وغيره والفسوخ، فلا يحل للمُقضى له بشهادة الزور ما حُكم له به من مال أو بضع أو غيرهما، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار” وقال أبو حنيفة، وأحمد في رواية، ينفذ القضاء بشهادة الزور ظاهرا وباطنا فى العقود والفسوخ، حيث كان المحل قابلا، والقاضي غير عالم بزورهم، لقول الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه، لامرأة أقام عليها رجل بينة على أنه تزوجها، فأنكرت، فقضى له علي رضي الله عنه فقالت له لِما تزوجنى ؟ أما وقد قضيت عليّ، فجدد نكاحي، فقال لاأجدد نكاحك، الشاهدان زوجاك.

 

فلو لم ينعقد النكاح بينهما باطنا بالقضاء، لما امتنع من تجديد العقد عند طلبها، وأما في الأملاك المرسلة، أي التي لم يذكر لها سبب معين “فإن الفقهاء أجمعوا على أنه ينفذ ظاهرا لا باطنا لأن الملك لا بد له من سبب، وليس بعض الأسباب بأَولى من البعض، لتزاحمها، فلا يمكن إثبات السبب سابقا على القضاء بطريق الاقتضاء، وأما عن تضمين شهود الزور، فإنه متى علم أن الشهود شهدوا بالزور، تبين أن الحكم كان باطلا، ولزم نقضه وبطلان ما حكم به، ويضمن شهود الزور ما ترتب على شهادتهم من ضمان، فإن كان المحكوم به مالا، رُد إلى صاحبه، وإن كان إتلافا، فعلى الشهود ضمانه، لأنهم سبب إتلافه، وذهب الشافعية والحنابلة، وأشهب من المالكية، إلى وجوب القصاص على شهود الزور إذا شهدوا على رجل بما يوجب قتله، كأَن شهدوا عليه بقتل عمد عدوانا.

 

أو بردّة، أو بزنا وهو محصن، فقتل الرجل بشهادتهما، ثم رجعا وأقرا بتعمد قتله، وقالا تعمدنا الشهادة عليه بالزور، ليقتل أو يقطع، فيجب القصاص عليهما، لتعمد القتل بتزوير الشهادة، وذلك لِما روى الشعبى أن رجلين شهدا عند الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه، على رجل بالسرقة، فقطعه، ثم عادا، فقالا، أخطأنا ليس هذا هو السارق، فقال الإمام علي رضى الله عنه، لو علمت أنكما تعمدتما، لقطعتكما، ولا مخالف له في الصحابة، فيكون إجماعا، ولأنهما تسببا في قتله وقطعه بما يفضى إليه غالبا، فلزمهما القصاص كالمكره، وبه قال ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، وأبو عبيد، وكذلك الحكم إذا شهدوا زورا بما يجب القطع قصاصا في قَطع أو في سرقة، لزمهم القطع، وإذا سرى أَثر القطع إلى النفس، فعليهما القصاص في النفس.

 

كما يجب القصاص على القاضي إذا قضى زورا بالقصاص، وكان يعلم بكذب الشهود، وتجب عليهما الدّية المغلظة إذا قالا تعمدنا الشهادة عليه، ولم نعلم أنه يقتل بهذا، وكانا مما يحتمل أن يجهلا ذلك، وتجب الدية في أموالهما لأنه شبه عمد ولا تحمله العاقلة لأنه ثبت باعترافهما، والعاقلة لا تحمل الاعتراف، وإن رجع شهود القصاص أو شهود الحد بعد الحكم بشهادتهم وقبل الاستيفاء، لم يستوفى القود ولا الحد، لأن المحكوم به عقوبة لا سبيل إلى جبرها، إذا استوفيت بخلاف المال، ولأن رجوعَ الشهود شبهة لاحتمال صدقهم، والقَود والحد يدرأان بالشبهة، فينقض الحكم، ولا غُرم على الشهود، بل يعزّرون، ووجبت دية قود للمشهود له؛ لأن الواجب بالعمد أحد شيئين وقد سقط أحدهما، فتعيّن الآخر، ويرجع المشهود عليه بما غرمه من الدّية على الشهود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى