مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 6”

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 6”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الإمام إبن كثير، وكان منهج الشيخ العلامة ابن كثير في تفسيره هو تفسير الآية بعبارة سهلة، وبأسلوب مختصر، ويوضح فيه المعنى العام للآية الكريمة، وأيضا تفسير الآية بآية أخرى إن وجدت، حتى يتبين المعنى، ويظهر المراد، وقد يذكر ابن كثير عدة آيات في تفسير الآية الأولى، وكأنه يجمع بين الآيات المتشابهة والمتماثلة في المعنى، والمتحدة في الموضوع، فتأتي الآيات المتناسبة في مكان واحد، وأيضا رواية الأحاديث بأسانيدها غالبا، وبغير إسناد أحيانا وذلك لإلقاء الضوء النبوي على معنى الآية لأن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم التبليغ والبيان، وأيضا من منهجه في الفسير هو تفسير القرآن بأقوال الصحابة حيث يُردف ابن كثير في تفسير الآية ما وصله من أقوال الصحابة في تفسير هذه الآية، حسب المؤهلات التي يمتلكونها.

 

وكذلك الاستئناس بأقوال التابعين وتابعي التابعين ومن يليهم من علماء السلف، وخاصة أهل القرون الأولى الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية، وحملوا الدعوة والإسلام، وأيضا الإستشهاد بالإسرائيليات وقد نتج عن روايات بعض الصحابة وبعض التابعين وجود الأحاديث والروايات المأخوذة من مصادر أهل الكتاب، والتي تسمى الإسرائيليات، ومعظمها غير صحيح وغير معقول، وأكثرها غرائب وطرائف، وقد نوه ابن كثير على وجود هذه الإسرائيليات في مقدمة تفسيره، فقال “تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد” وكان ابن كثير ينبه على الإسرائيليات والموضوعات في التفسير، تارة يذكرها ويعقب عليها بأنها دخيلة على الرواية الاسلامية، ويبين أنها من الإسرائيليات الباطلة المكذوبة، وتارة لا يذكرها بل يشير إليها، ويبيِّن رأيه فيها.

 

وقد تأثر في هذا بشيخه ابن تيمية، وزاد على ما ذكره كثيرا، وكل من جاء بعد ابن كثير من المفسرين ممن تنبه إلى الإسرائيليات والموضوعات، وحذر منها، ولا عجب في هذا، فهو من مدرسة عُرفت بحفظ الحديث، والعلم به رواية ودراية، وأصالة النقد، والجمع بين المعقول والمنقول، وهي مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه ابن القيم، والذهبي، وابن كثير، وأمثالهم، فإنها على ثلاثة أقسام أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح، والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه، والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك.

 

كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا نبي الله موسى من أي الشجر كانت؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى عليه السلام، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته، لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم فالأهم، فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه.

 

ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب” وكما كان يستشهد بالأحكام الفقهية، وقد يتعرض ابن كثير عند تفسير آيات الأحكام إلى بيان الأحكام الشرعية، ويستطرد في ذكر أقوال العلماء وأدلتهم، ويخوض في المذاهب ويعرض أدلتهم، وكذلك بالشواهد اللغوية والشعرية، حيث اعتمد ابن كثير على اللغة العربية في فهم كلام الله تعالى الذي نزل باللغة العربية، ويجب أن يفسر حسب مقتضى الألفاظ، وأساليب اللغة، ودلالات الألفاظ، وشواهد الشعر التي تدل على المعنى، وتوضح المراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى