مقال

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع بر الأمهات، وعاش الرجل فى الترف وطغا وبغا وتكبر على أمه وأعمت الدنيا بصره وطمست على قلبه وعق أمه بسبب الحرص على الدنيا وحب الشهوات والزوجة الحسناء التي لا تفقه في دينها ولا دنياها وقد أجاد الكثير في ذلك حيث تبرأ أحدهم من أمه وألقى بوالدته المراكز الاجتماعية، وقذف أحدهم والدته عبر الطرقات، ووضع أحدهم أمه بجانب النفايات، ورمى بعضهم أمه في المستنقعات ودعا أحدهم على والديه بالموت والهلاك، وطرد كل من الزوجين أمه في أماكن غير معروفة، وسب أحدهما والدته ولعنها وطردها وكأنها بهيمة والآخر يتمنى فراق والدته بمشورة من زوجته وهذا آخر يضرب أمه على وجهها بسبب إيقاظه لصلاة الفجر، والآخر لا يحب أمه ويحتقرها ويقول لها أنت كذا، وغير ذلك كثير من العقوق.

والمظاهر السيئة، أهكذا تكافأ الأم وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وفي قصة أبان بن عياش يقول كنت عند أنس في البصرة، ويقول فخرجت من عنده، فإذا بجنازة يحملها أربعة من المسلمين الله أكبر، جنازة لا يحملها إلا أربعة، فيقول فتبعتها وقلت والله لأتبعن هذه الجنازة، جنازة ما يحملها إلا أربعة ولا يتبعها أحد، فيقول فدفناها، وبعد الدفن قلت لهم سبحان الله، ما شأن هذه الجنازة؟ فقال الرجال، سل هذه المرأة التي استأجرتنا، أربعة كلهم مستأجرين، تبعوا الجنازة وصلوا عليها ودفنوها، فيقول فتبعت المرأة، فيقول ولما جاءت إلى البيت، طرقت عليها الباب، فقلت يا أمة الله، أخبريني عن شأن هذه الجنازة، فقالت هذه جنازة ابني، قلت وما شأنها؟ فقالت لما حانت ساعة الوفاة، قال لى يا أماه تريدين لي السعاة؟ فقلت نعم يا بني وكان رجلا فاسقا عاصيا عاقا.

فقال لها يا أماه، إذا حانت ساعة الوفاة، فلقنيني الشهادة، ثم إذا مت لا تخبري أحدا بجنازتي، فإنهم يعرفون معصيتى، فإنهم إن عرفوا فلن يصلوا عليّ، ولكن ارفعي يديك إلى الله وقولى اللهم إني قد أمسيت راضية عنه فارض عنه، اللهم إني قد أمسيت راضية عنه فارض عنه، ثم ضحكت المرأة، فقال لها أبان ما يضحكك يا أمة الله؟ قالت والله، فعلت ما قال، فرفعت يدي، وقلت اللهم إني قد أمسيت راضية عنه فارض عنه، فإذا بي أسمع مناديا يناديني، ويقول لي يا أماه، يا أماه، قدمت على رب رحيم كريم غير ساخط عليّ ولا غضبان بدعوتك لي، وهكذا إن كانت الأم قد حملتك تسعة أشهر في بطنها فلقد حملتك طيلة عمرك في قلبها، وهذه رسالة من أم لولدها العاق أحببت أن أقرأها عليكم لما فيها من العبرة والعظة، تقول الأم في رسالتها يا بني هذه رسالة مكلومة .

من أمك المسكينة، كتبتها على استحياء بعد تردد وطول انتظار، أمسكت بالقلم مرات فحجزته الدمعة، وأوقفت الدمعة مرات، فجرى أنين القلب، يا بني بعد هذا العمر الطويل أراك رجلا سويا مكتمل العقل، متزن العاطفة، ومن حقي عليك أن تقرأ هذه الورقة وإن شئت بعد فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل، يا بني منذ خمسة وعشرين عاما كان يوما مشرقا في حياتي عندما أخبرتني الطبيبة أني حامل، والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدا، فهي مزيج من الفرح والسرور، وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية، وبعد هذه البشرى حملتك تسعة أشهر في بطنى، فرحة جذلى، أقوم بصعوبة، وأنام بصعوبة، وآكل بصعوبة، وأتنفس بصعوبة، لكن ذلك كله لم ينتقص من محبتي لك وفرحي بك، بل نمت محبتك مع الأيام ، وترعرع الشوق إليك.

حملتك يا بني وهنا على وهن، وألما على ألم، أفرح بحركتك، وأسر بزيادة وزنك، وهي حمل علي ثقيل، إنها معاناة طويلة أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي فيها جفن، ونالني من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه قلم، ولا يتحدث عنه لسان، فاشتد بي الألم حتى عجزت عن البكاء، ورأيت بأم عيني الموت مرات عديدة، حتى خرجت إلى الدنيا فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي، وأزالت كل آلامي وجراحي، بل حنوت عليك مع شدة ألمي وقبلتك قبل أن تنال منك قطرة ماء، يا بني مرت سنوات من عمرك وأنا أحملك في قلبي وأغسلك بيدي، وجعلت حجري لك فراشا، وصدري لك غذاء، وسهرت ليلي لتنام أنت وتعبت نهاري لتسعد، وكانت أمنيتي كل يوم أن أرى ابتسامتك، وسرورى في كل لحظة أن تطلب شيئا أصنعه لك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى