مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حجر العسقلاني ” جزء 8″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حجر العسقلاني ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثامن مع الإمام إبن حجر العسقلاني، فأثابه الملك الأشرف أحسن إثابة وعامله معاملة كريمة، وفي عام ثماني مائة من الهجرة، رحل ابن حجر من اليمن في صحبة الموكب الذي جهزه صاحبها الملك الأشرف للحجاج إلى مكة ليحج حجة الإسلام، ثم سافر إلى اليمن للمرة الثانية سنة ثماني مائة وستة من الهجرة، فلقي هناك من التقى بهم في المرة الاولى وغيرهم، فأخذ عنهم وأخذوا عنه، وقد واجه الإمام الحافظ ابن حجر الكثير من المتاعب خلال رحلته الثانية لليمن حيث انصدع المركب الذي يقله، وغرق جميع ما كان معه من المتاع والكتب والنقد، ثم يسر الله طلوع أكثرها، وقال السخاوي وفي هذه المرة انصدع المركب الذي كان فيه، فغرق جميع ما معه من الأمتعة والنقد والكتب، ثم يسر الله تعالى بطلوع أكثرها بعد أن أقام ببعض الجزائر هناك أياما.

وصولح عما جرت العادة بأخذه مما يطلع بعد الغرق بمال كثير جدا، بحيث يتعجب من كثرة أصله، وكتب محضر بذلك كما قيل، وكان من جملة الكتب التي غرقت مما هو بخطه أطراف المزي، وأطراف مسند أحمد، وأطراف المختارة، وكلاهما من تصنيفه، وكذا ترتيب كل من مسندي الطيالسي وعبد بن حميد، وكان من جملة الذهب العين فيما قيل سبعة آلاف مثقال أو أكثر من الذهب المصري وديعة لابن مسلم، ولذلك تجشم الحافظ ابن حجر المشقة، حيث أقام على التماسها في البحر مدة حتى أخرجت، ويعزو السخاوي نقلا عن ابن حجر، فيقول هذا الغرق إلى عين حسد من استعرض كتبه وتعجب من كثرة ما فيها بخطه، ولما رجع من رحلته الثانية لليمن حج أيضا، قال السخاوي فيما أظن وعاد إلى جدة، ثم سافر إلى بلده، فأقام بها على عادته، ثم خرج بن حجر من القاهرة.

عصر يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر شعبان سنة ثماني مائة واثنين من الهجرة، قاصدا بلاد الشام للأخذ عمن بها من الشيوخ والمحدثين والمسندين، وصحبه في هذه الرحلة قريبه الزين شعبان، والحافظ تقي الدين الفاسي، فسمع بالبلاد التي دخلها من بلاد الشام أو التي في الطريق إليها ما لايوصف ولا يدخل تحت الحصر على أمم كثيرة، وكان دخوله إلى دمشق في التاسع عشر من شهر رمضان سنة ثماني مائة واثنين من الهجرة، فنزل فيها على صاحبه الصدر علي بن محمد بن محمد بن الأدمي، لما كان بينهما من المودة، وأقام بها مائة يوم، آخرها أول يوم من المحرم سنة ثماني مائة وثلاثة من الهجرة، وكان السبب الرئيسي الذي دعا بن حجر إلى مغادرة بلاد الشام مبكرا، هو تواتر الأخبار بقرب مجئ المغول إليها، فظهر ابن حجر من دمشق كما تقدم في أول يوم.

من سنة ثماني مائة وثلاثة من الهجرة، ورجع إلى بلده وقد اتسعت معارفه كثيرا بما أخذه من العلماء، فأقام بها على طريقته في التصنيف والإقراء والإملاء والكتابة، بل لم يهمل سماعه على الشيوخ، ورغم قصر المدة التي قضاها الحافظ بن حجر في البلاد الشامية والتي لم تتجاوز مائة يوم إلا أنه أظهر لعلماء الشام وفضلائها حفظا كبيرا، واغتبطوا به، وشهدوا له بالتقدم في فنون الحديث إلى أعلى رتبة، وعلق في غضون تلك المدة بخطه من الأجزاء الحديثية، والفوائد النثرية، والتتمات التي يُلحقها في تصانيفه ونحوها ثمان مجلدات فأكثر، وألف ترتيبا على الأطراف لكتاب الأحاديث المختارة، للحافظ ضياء الدين المقدسي، جاء في مجلد ضخم سماه الإنارة في أطراف المختارة، قال السخاوي عنه لو لم يكن له عمل في طول هذه المدة إلا هي، لكانت كافية في جلالته.

كما حصل في تلك المدة مابين قراءة وسماع جملة مستكثرة من الكتب، منها ما يكون في مجلدة ضخمة فأكثر ومنها ما يكون في مجلدة لطيفة، بلغت مجتمعة ما يقارب ألف جزء حديثي، وكان ابن حجر وهو بدمشق قد عزم على التوجه إلى البلاد الحلبية، ليأخذ عن خاتمة المسندين بها عمر بن أيدغمش، فبلغته وفاته، فتخلف عن التوجه إليها، ثم قدر له بعد دهر السفر إليها وذلك في سنة ثماني مائة وست وثلاثين من الهجرة، وذلك أن السلطان الأشرف برسباي توجه إلى آمد، لدفع أذى التركمان الذين تغلبوا على بلاد آمد وماردين وغيرها بعد الغزو التيمورلينكي، لما كثر من إفسادهم، ونهب أموال الرعايا، وقطع الطرق على القوافل، فخرج السلطان بالعسكر المصري ومعه قاضي الشافعية الحافظ بن حجر، ورفقته قضاة المذاهب الثلاثة الأخرى والخليفة داود المعتضد بالله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى