مقال

الدكروري يكتب عن التسابق في أعمال الخير ” جزء 5″

الدكروري يكتب عن التسابق في أعمال الخير ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع التسابق في أعمال الخير، فكانت لأبى الدحداح صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مثل مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات، يوم أن عظم الخطب واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذى سماه الله تعالى يوم العسرة وقد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم باب التبرع علانية حتى يحفز المسلمين، وكان أول القائمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهذا أبو مسلم الخولاني عندما كان يقوم الليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه قائلا ﻗﻮﻣى ﻓﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻷ‌ﺯﺣﻔﻦ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺯﺣﻔﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﻠﻞ ﻣﻨﻚ ﻻ‌ ﻣﻨﻲ” ﺃﻳﻈﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ صلى الله عليه وسلم ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﺩﻭﻧﻨﺎ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺰﺍﺣﻤﻨﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﺣﺎﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺧﻠﻔﻮﺍ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ ﺭﺟﺎﻻ‌، فهو يريد المنافسة ويريد أن يزاحم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة.

 

وهنيئا له بهذه المنافسة الشريفة، وكان للتنافس فيما بينهم في فعل الخيرات أثر كبير في حياتهم، فكان التنافس سببا لرفع الهمة، وإثارة الحماس، فبادروا في اغتنام حياتكم قبل فنائها، وأعماركم قبل انقضائها بفعل الخيرات والاكثار من الطاعات، فإن الفرص لا تدوم، والعوارض التي تحول بين الانسان وبين العمل كثيرة وغير مأمونة، وقد روى البخارى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذى له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أوشرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك حسنات له.

 

وهى لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر، ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء، فهي على ذلك وزر” ورُوى عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها تصدقت بعنبة، وقالت “كم فيها من مثقال ذرة؟” وكان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل الذى أعطوه، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك، فيردونه ويقولون ما هذا بشيء إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، يقولون إنما وعَد الله النار على الكبائر، فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه، فإنه يوشك أن يكثر، وحذرهم اليسير من الشر، فإنه يوشك أن يكثر، فنزلت الآية ” فمن يعمل مثقال ذرة”

 

يعنى وزن أصغر النمل ” خيرا يره” يعنى في كتابه، ويسرّه ذلك” فإن فعل الخيرات مردود على فاعله، فهنيئا له، تذكر دائما أنك إن فعلت الخير فإنما هو في ميزان أعمالك أنت لا أحد غيرك، فقال تعالى” من عمل صالحا فلنفسه” بمعنى لنفسه، أى أنت الكاسب الوحيد، لنفسك، وهل هناك من هو أعز عندك وعليك من نفسك؟ وسوف ترى ذلك، وسوف تشاهد هذه الخيرات التي عملتها في دنياك، نعم، سوف تشاهدها هناك في الآخرة مكتوبة، ومكتوب لك أجرها، فقال تعالى فى كتابه ” ليروا أعمالهم ” وسوف تشهد لك هذه الأرض، سوف تشهد لك الطرقات والمساجد والأمكنة والبيوت والأسواق بأنك عملت ذلك الخير وهذه الخيرات، فقال تعالى ” يومئذ تحدث أخبارها” أى تحدث بما عمل العاملون على ظهرها، وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال.

 

قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم هذه الآية” يومئذ تحدث أخبارها” قال “أتدرون ما أخبارها؟” قالوا الله ورسوله أعلم، قال “فإن أخبارها؟ “أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول عمل كذا وكذا، يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها” رواه احمد والترمذى، فيا الله ما أعظمه من كرم إلهي وما أرحمه من هدي نبوي حينما تقف عاجزا عن فعل الخير فتظن الأجر فُقد من دربك، فإذا برسولك صلى الله عليه وسلم يبشرك ويدلك ويجعل الأمل بين يديك، فيقول لك كف شرك عن الناس فقط، أبعد أذاك عنهم لا غير، يكن ذلك من فعل الخير، يكن ذلك صدقة، يكن ذلك أجرا، يكن ذلك حسنات تكتب لك، لنفسك، فادفع الدّين الذى عليك، لا بالمال وحده بل بفعل الخيرات، فمَن يستطيع أن يدفع كل يوم مقابل نعمة مفاصل جسمه صدقات مالية بعددها البالغ ثلاثمائة وستين مفصلا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى