مقال

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع محاسبة النفس في رمضان، ووفق الله الفاتح لفكرة رائعة، تدل على عبقرية حربية فذة، حيث استطاع نقل سبعين سفينة بعد أن مهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة، وتم دهن الألواح الخشبية ووضعها على الطريق تمهيدا لجر السفن عليها مسافة ثلاثة أميال، وقد تم كل هذا فى ليلة واحدة، وبعيدا عن أنظار العدو، وكانت فكرة مبتكرة وناجحة بكل المقاييس، ثم بعد الهجوم الكاسح على المدينة واستسلامها بعد مقتل الإمبراطور، وكان التسامح التام مع أهل المدينة حيث كانت لهم الحرية التامة في ممارسة شعائرهم الدينية، واختيار رؤسائهم الدينيين، ومما يدل على ذلك أن السلطان محمد الفاتح استقبل بطريرك المدينة، وتناول معه الطعام، وتحدثا في أمور شتى دينية وسياسية واجتماعية، مما أعطى هذا البطريرك انطباعا مختلفا عما كان عليه قبل لقائه السلطان الفاتح.

 

ولقد كانت القسطنطينية قبل فتحها عقبة كبيرة فى وجه انتشار الإسلام في أوروبا ولذلك فإن سقوطها يعني فتح أوروبا لدخول الإسلام بقوة وسلام أكثر من ذى قبل، ويعتبر فتح القسطنطينية من أهم أحداث التاريخ العالمية، وخصوصا تاريخ أوروبا وعلاقتها بالإسلام، حتى عدّه المؤرخون الأوروبيون ومن تابعهم نهايةَ العصور الوسطى وبدايةَ العصور الحديثة، وفى رمضان يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، ثلاثمائة وبِضعة عشر رجلا من الموحدين الصابِرين، يهزمون ألفا من المشركين بإذن الله، ليثبت أن النصر ليس بالعدد الكثير، ولا بالسلاح الوفير، ولكنه ثمرة إخلاص، مقرون بجميل توكل على الله، وصدق التجاء إليه، وفي رمضان جاء نصر الله، وكان فتح مكة، فجاء الحق وزهق الباطل، وتهاوت أنصاب الشرك، وطهر البيت الحرام من الرجس.

 

وفى رمضان رجع المسلمون من غزوة تبوك بعد مواقف بذل مشهودة، ومقامات صدق رائعة، وفيه دخل المسلمون الأندلس ليقيموا فيها الإسلام أكثر من خمسة قرون، وفي رمضان فتحت عمورية استجابة لصرخة امرأة مكلومة، وفى رمضان انتصر المسلمون على التتار في معركة عين جالوت، وفيه على خلاف بين المؤرخين وقعت معركتا الزلاقة وبلاط الشهداء، ولقد كان رمضان مولدا للإسلام، ومبتدأ نصر للمسلمين، ومشرق فتح مبين، ومفتاح مجد كريم فيه انتصروا على الطغاة المعتدين، وفيه أذلوا الجبابرة المشركين، وفيه هُدم هبل ومعه أكثر من ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة المشرفة، وفيه بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، خالد بن الوليد ليهدم العزّى فهدمها، وفيه بعث عمرو بن العاص ليهدم سواعا فهدمه، وفيه بعث سعد بن زيد ليهدم منافا فهدمه.

 

ولله فى تقدير كل تلك الانتصارات والفتوحات الحكمة البالغة، وإنها لإشارات بالغة، ودروس للمسلمين عظيمة، تبقَى معتبرا في كل زمان ومكان، وفى كل عصر ومصر، تفهمها الأجيال لاحقا بعد سابق، وتستلهمها النفوس خلفا بعد سلف ليوقن المسلمون أن شهرهم شهر جدّ، لا شهر كسل، وشهر عطاء وإقدام، لا شهر بخل ونكوص، وشهر انتصار وعزّ، لا شهر هزيمة وذلّ، وشهر وضوح وفرقان، لا شهر مُصانعة وإدهان، فلا يذلوا ولا يداهنوا، ولا ينهزموا أمام أى عدو، ولا يقف أمامهم أى صنم، سواء كان هوى نفس، أو داعى شهوة، أو عادة شخصية، أو عرفا اجتماعيا، أو قوة مادية باهرة، أو تقدما حضاريا ساحرا، ولقد كان السلف الصالح يجتهدون فى إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقَبوله، ويخافون من رده، ألا وإن من إتقان العمل هو الحرص على الإحسان، فى الخواتيم.

 

فكيف إذا كانت الخواتيم هى العشر المباركة التي فيها ليلة القَدر، العشر التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، والتى كان إذا دخلت شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله؟ ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا دخلت العشر شمّر وشد المئزر، وما ذاك إلا لعلمه بما فى هذه العشر من الأجور المضاعفة، والحسنات المتكاثرة، فكان لهذا يجتهد فيها اجتهادا عظيما، ويتفرغ للطاعة تفرغا تاما، حتى إنه كان يعتكف فيها، فيلزم المسجد، ويقطع العلائق بالخلائق، كل هذا من أجل أن يوافق ليلة القدر، تلك الليلة المباركة، التي يعدل العمل فيها عمل ثلاث وثمانين سنة فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى