مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حاتم الرازي ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو حاتم الرازي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام أبو حاتم الرازي، فلما كان يكون المساء صلينا وكنا نلقي بأنفسنا حيث كنا فلما أصبحنا في اليوم الثالث جعلنا نمشي على قدر طاقتنا وكنا ثلاثة أنفس شيخ نيسابوري وأبو زهير المروروذي، فسقط الشيخ مغشيا عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل، فتركناه ومشينا قدر فرسخ، فضعفت وسقطت مغشيا علي ومضى صاحبي يمشي فبصر من بعد قوما قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم فجاءوه معهم ماء في إداوة، فسقوه وأخذوا بيده فقال لهم الحقوا رفيقين لي فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهه، ففتحت عيني فقلت اسقني فصب من الماء في مشربة قليلا، فشربت ورجعت إلي نفسي ثم سقاني قليلا وأخذ بيدي فقلت ورائي شيخ ملقي فذهب جماعة إليه وأخذ بيدي وأنا أمشي وأجر رجلي حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم وأتوا بالشيخ وأحسنوا إلينا.

 

فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا، ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها راية إلى واليهم وزودونا من الكعك والسويق والماء فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس فعمدنا إلى حجر كبير، فضربنا على ظهرها فانفلق فإذا فيها مثل صفرة البيض فتحسيناه حتى سكن عنا الجوع ثم وصلنا إلى مدينة الراية وأوصلنا الكتاب إلى عاملها فأنزلنا في داره فكان يقدم لنا كل يوم القرع ويقول لخادمه هاتي لهم اليقطين المبارك فيقدمه مع الخبز أياما، فقال واحد منا ألا تدعو باللحم المشئوم ؟ فسمع صاحب الدار، فقال أنا أحسن بالفارسية فإن جدتي كانت هروية وأتانا بعد ذلك باللحم، ثم زودنا إلى مصر، وسمعت أبي يقول كتبت الحديث سنة تسع وأنا ابن أربع عشرة سنة وكتبت عن عتاب بن زياد المروزي سنة عشر، فلما قدم علينا حاجا.

 

وكنت أفيد الناس عن أبي عبد الرحمن المقرئ وأنا بالري فيخرج الناس إليه فيسمعون منه ويرجعون وأنا بالري، وقال إبن أبي حاتم سمعت أبي يقول كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ وسرت من الكوفة إلى بغداد ما لا أحصي كم مرة، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية، له حدثنا أبي وأبو زرعة قال كان يحكى لنا أن هنا رجلا من قصته هذا فحدثني أبو زرعة قال كان بالبصرة رجل وأنا مقيم سنة ثلاثين ومائتين فحدثني عثمان بن عمرو بن الضحاك عنه أنه قال إن لم يكن القرآن مخلوقا فمحا الله ما في صدري من القرآن، وكان من قراء القرآن، فنسي القرآن حتى كان يقال له قل بسم الله الرحمن الرحيم فيقول معروف، معروف ولا يتكلم به، قال أبو زرعة فجهدوا به أن أراه، فلم أره، وقال الحافظ أبو القاسم اللالكائي وجدت في كتاب أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي.

 

مما سمع منه يقول مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين والتمسك بمذاهب أهل الأثر، مثل الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ولزوم الكتاب والسنة ونعتقد أن الله عز وجل على عرشه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأن الإيمان يزيد وينقص ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض وبالمساءلة في القبر وبالشفاعة ونترحم على جميع الصحابة، وعن علي بن أحمد الخوارزمي، قال سمعت عبدالرحمن بن أبي حاتم يقول كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مَرقة، كل نهارنا مقسّم لمجالس الشيوخ، وبالليل النسخ والمقابلة، قال فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكا أعجبنا فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس، فلم يُمكنا إصلاحه، ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغيّر، فأكلناه نيئا.

 

لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه، ثم قال لا يُستطاع العلم براحة الجسد، وقال الخطيب الرازي “كان لعبدالرحمن ثلاث رحلات، الأولى مع أبيه سنة خمس وسنة ست، ثم حج وسمع محمد بن حماد في سنة ثنتين، ثم رحل بنفسه إلى السواحل والشام ومصر سنة اثنتين وستين ومائتين، ثم رحل إلى أصبهان في سنة أربع وستين، فلقي يونس بن حبيب، وأتاحت له هذه البيئة العلمية التي وفرها له أبوه تصنيف العديد من المؤلفات في علوم الحديث، تدل على تبحره في هذا الشأن، لعل من أهمها كتابه العلل حيث أكثَر فيه من سؤال الإمامين الجليلين أبي زُرعة وأبي حاتم عن الرواة والأحاديث المعللة أو المشتبه في إعلالها، حتى قارب عدد مسائله ثلاثة آلاف مسألة، وهو بالنسبة للكتب المتقدمة عليه من أوسع وأشمل ما وصلنا من كتب العلل، وقال أبو بكر محمد بن عبدالله البغدادي كان من مِنة الله على عبدالرحمن أنه ولد بين قماطر العلم والروايات.

 

وتربى بالمذكرات مع أبيه وأبي زرعة، فكانا يزقانه كما يزق الفرخ الصغير، ويعنيان به، فاجتمع له مع جوهر نفسه كثرة عنايتهما، ثم تمت النعمة برحلته مع أبيه، فأدرك الإسناد وثقات الشيوخ بالحجاز والعراق والشام والثغور، وسمع بانتخابه حين عرف الصحيح من السقيم، فترعرع في ذلك، ثم كانت رحلته الثانية بنفسه بعد تمكن معرفته، يُعرف له ذلك، وتقدم بحُسن فهمه وديانته، وقديم سلفه، وبعد رحلة عطاء توفي الإمام أبو حاتم الرازي في شهر شعبان سنة مائتان وسبع وسبعين من الهجرة، وله اثنتان وثمانون سنة بمدينة الري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى