مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن إسحاق ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن إسحاق ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن إسحاق، وقال عنه ابن البرقي أنه لم أري أهل الحديث يختلفون في ثقته، وحسن حديثه وروايته، وفي حديثه عن نافع بعض الشيء، وقال الذهلي هو حسن الحديث عنده غرائب، ونشأ ابن إسحاق في أسرة من الموالي، وكان جده يسار عربيا مسيحيا، من سبي عين تمر سنة اثني عشر من الهجرة، وأرسل مع الأسرى اللآخرين إلى المدينة، وصار رقيقا عند بني قيس بن مخرمة بن المطلب، وأعتق بعد اعتناقه الإسلام، والبعض يزعم أن جده يسار، كان عبدا مملوك لقريش في زمن النبي صلي الله عليه وسلم وأن يسار هذا له صحبة، وقد روت كرامة بنت محمد بن إِسحاق بن يسار، عن أبيها محمد، عن أبيه إِسحاق، عن جده يسار “أنه أتى النبي صلي الله عليه وسلم فمسح رأسه ودعا له بالبركة” وكان ليسار أبناء ثلاثة، تزوج أحدهم، المسمى إسحاق.

 

ابنة مولى يسمى صبيح، فأنجبت له محمدا صاحب المغازي فيما بعد، وقد ترعرع ابن إسحاق في المدينة المنورة وأدرك بعض الصحابة المعمرين أمثال أنس بن مالك، وأم سعد بنت سعد الأنصارية، وكان والده إسحاق وعمه موسى وعبد الرحمن من المحدثين المعروفين، كما كان له أخوة من رواة الحديث هما عمر وأبو بكر، وشرع ابن إسحاق في طلب العلم في سن مبكرة، وكان أبوه قبله مشغوفا بجمع الأحاديث والأخبار، وغالبا ما يروي عن أبيه في كتبه، فلابد لذلك أن يكون محمد بن إسحاق اضطر إلى الاشتغال منذ حداثته برواية الحديث، ووسع فيما بعد مداركه بزيارة أشهر العلماء من أمثال عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر الأنصاري، وابن شهاب الزهري، وقد رجع إلى الثلاثة جميعهم في كتابه، وكان الزهري بالأخص يجله ويركز عليه من بين طلابه، وفي ذلك روى الخطيب البغدادي بسنده قائلا.

 

رأيت الزهري أتاه محمد بن إسحاق، فاستبطأه فقال له أين كنت؟ قال وهل يصل إليك أحد مع حاجبك، قال فدعا حاجبه، فقال له لا تحجبه إذا جاء، ولكن ابن إسحاق لم يكتفي، وحاول أيضا أن يحصل على الأخبار من كل مكان آخر، ويذكر قرابة مئة راوي من المدينة وحدها، وعندما بلغ الثلاثون سنة رحل إلى الإسكندرية سنة مائة وخمسة عشر من الهجرة، وتتلمذ ليزيد بن أبي حبيب، وتلقى عنه كتابه في سفراء النبي صلي الله عليه وسلم وأخذ عن جماعة من محدثي مصر، وفي ذلك يقول أبو يونس المصري أن محمد بن إسحاق بن يسار يكنى أبا بكر، ويقال أبو عبد الله وهو مدني، قدم الإسكندرية سنة خمس عشرة ومائة، وروى عن جماعة من أهل مصر وغيرهم، منهم عبيد الله بن المغيرة، ويزيد بن أبي حبيب، وروى عنه من أهل مصر الأكابر، منهم يزيد بن أبي حبيب.

 

ولما عاد إلى موطنه المدينة، أبرزه أستاذه ابن شهاب الزهري للحاضرين في عام مائة وثلاث وعشرين من الهجرة، وكان الزهري ينصح طلابه بإبن إسحاق، وحكى أبو القاسم السهيلي، عن الزهري أنه خرج إلى قريته ادام، فرج إليه طلاب الحديث، فقال لهم أين أنتم من الغلام الأحول، أو قد خلفت فيكم الغلام الأحول يعني ابن إسحاق، وفي مناسبه أخرى قال من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق، وقال الزهري أيضا لا يزال بالمدينة علم جم ما دام فيهم ابن إسحاق، وقد قابل سفيان بن عيينة ابن إسحاق في المدينة سنة مائة واثنين وثلاثين من الهجرة، وأخيرا صار مقام ابن إسحاق في بلدته غير ملائم له، فقد مني فيها بعداوة رجلين، عداوة هشام بن عروة ومالك بن أنس، وقيل عداوة هشام كانت بسبب أنه كان يدخل على زوجته ويأخذ الحديث عنها، أما خصومة مالك بن أنس، فلها أسباب أخرى.

 

وقد كان ابن إسحاق صرح بعدم رضاه عن علم مالك، ويخبرنا تلميذ ابن إسحاق عبدالله بن إدريس لعبارة ابن إسحاق، وبجواب مالك عنها كنت عند مالك بن أنس، فقال له رجل إن محمد بن إسحاق يقول أعرضوا على علم مالك بن أنس فإني أنا بيطاره، فقال مالك دجال من الدجاجلة يقول اعرضوا علي علي، وربما كانت بسبب تمسك ابن إسحاق بمذهب القدر، ويقرر أبو زرعة أن دحيما، صرح له بأن سبب خصومة مالك لاب إسحاق آراؤه في القدر، وغادر ابن إسحاق المدينة المنورة بصفة نهائية إلى العراق بعد قيام الدولة العباسية، وأرتحل إلى الكوفة سنة مائة وأربعة وثلاثين من الهجرة، فسمع منه أهلها، فسمع منه المؤرخ أبو مخنف وتأثر، وفيها أي في الكوفة ذاع صيته فاتصل به الأمراء والولاة، وفي سنة مائة وواحد وأربعين من الهجرة، وقيل قبيل ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى