مقال

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ولما ماطل بعض الفلاحين أو أصحاب الأراضي في سداد الخراج في عهد العباسيين، وأراد بعض الأمراء تعذيبهم حتى يجبروهم على سداده، شاور الخليفة المهدي محمد بن مسلم، فقال يا أمير المؤمنين، هذا موقف له ما بعده وهم غرماء المسلمين، فالواجب أن يطالبوا مطالبة الغرماء، فتقدم إلى أبي عبيد الكاتب بالكتاب إلى جميع العمال برفع العذاب عن أهل الخراج، وكان كثير من أمراء المسلمين فيما بعد يسلفون الفلاحين لينفقوا على زروعهم دون مقابل تشجيعا لهم على الزراعة، وكان الأمراء يوصون الجند الذين يذهبون للجهاد بعدم التعرض للفلاحين أيا كانت ديانتهم، فهذا أحد الخلفاء العباسين ينصح قائده أثناء سيره بالجيش أن يمنع الجند أن يتخطوا الزروع، وأن يطأها أحد منهم بدابته، ويجعلها طريقه في مقصده، وألا يأخذوا من أهلها الأتبان إلا بأثمان ورضا أصحابها، وصار من الأقوال المأثورة عند الأمراء.

 

“أحسنوا إلى المزارعين، فإنكم لم تزالوا سمانا ما سمنوا” وبذلك وجد العامل أو الزارع تحت ظل الإسلام الدوافع التي تحثه على العمل بنفس راضية مطمئنة، وأحس أنه يجني ثمار عمله لنفسه بعد أن كان في ظل الدول السابقة كالدولة الرومية مثلا يُعد من توابع العقار، فينتقل العقار من مالك إلى آخر، وفلاحوه معه يسمونهم الأقنان وهي جمع قنّ إلا الذين تسمو بهم هممهم إلى التقرب إلى رجال الدولة” وضرب المسلمون بتلك الجهود مثلا رائعا في المهارة الزراعية، حتى قال بعض المستشرقين إنهم أول من نظم ممارستها بقوانين، وإنهم لم يقتصروا على العناية بالمزروعات، وإنما اعتنوا عناية فائقة بتربية القطعان، وخاصة الأغنام والخيل، وإن أوروبا لتدين لهم بإدخال التجارب الكبرى، وجميع أنواع الفواكه الممتازة، وإضافة إلى المزروعات الأصغر شأنا، مثل السبانخ والكراث.

 

وصار ما ينتجونه من محاصيل يقارب مائة نوع من الحبوب والخضر والفاكهة والأزهار، وكان من نتيجة هذا الاهتمام وتلك الجهود أن نمت الأراضي والثروة الزراعية على طول امتداد العالم الإسلامي، من أواسط آسيا شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا بحيث لا يقع البصر فيها إلا على خضرة يتصل لونها بلون السماء الأزرق، وسبق المسلمون العالم في الازدهار الزراعي، ونقلوا ذلك إلى أكثر الأماكن التي فتحوها أو نزلوا بها فيقول شكيب أرسلان فإن هؤلاء القوم لم يحلوا في مكان إلا طبقوا الأراضي بالعمل، وشقوا تحتها الجنان، وكما أنتج المسلمون كل ما يحتاجونه حتى قال أحد من أرّخوا للحضارة “لم أسمع أن المسلمين في شتى الأرجاء كانوا يستوردون سلعا غذائية من خارج أقطار الوطن الإسلامي، ووضعوا المؤلفات العلمية التي عرفوا فيها خواص التربة.

 

وكيفية تركيب السماد، كما أدخلوا تحسينات جمة على طرق الحرث والغرس والري، وأصبحت الزراعة علما له أصوله وقواعده، شأنها في ذلك شأن باقي فروع العلم والمعرفة، وذلك بعد أن ظهرت المؤلفات العلمية في هذا المجال في كثير من الأقطار الإسلامية، وظهر الكثير من المصنفات العلمية القيمة التي تعكس هذا الاهتمام، وتقدم مادة غنية بالمعلومات المبنية على الملاحظة والاستمرار بتتبع مظاهر الحياة في النبات والحيوان، غير أن معظم هذه التصانيف لم تكن كتبا مستقلة، كما وضعوا المؤلفات في كيفية استنباط المياه، وحفر الآبار، والاحتيال في زيادة ماء البر، وإطلاع أي استخراج الماء من أعماق بعيدة، ومعرفة أماكن وجوده في باطن الأرض قربا أو بعدا دون حفر، وتغير طعم المياه، واختلاف طبائعها وأفعالها، وصفة إفلاح التلقيح وزرعه وغرسه، ودراسة أنواع النبات.

 

وكيفية زرعها وتسميدها، وكيفية عمل البيادر وخزن الحنطة، كما تناول بعضها تقسيم الأراضي وأنواعها، وما يصلح للاعتمار منها، وطريقة جلب الماء ومقدار الماء اللازم، وطريقة الازدراع، وتنظيف الأرض المعتمرة، وقلع الأشجار أو النباتات التي تضر بالأرض، وظهرت أيضا المؤلفات التي تعنى بالنبات وأسمائه وأسماء الأشجار، وبيان بعض فوائده واستخدامه مثل كتاب الشجر لابن خالويه، وكتاب أبي العباس أحمد بن محمد العشاب، الذي تردد بين الشام والأندلس، وكان له معرفة بالعشب والنبات، وهذا الكتاب رتب فيه أسماء الحشائش على حروف المعجم، ومنها كتاب الفلاحة والعمارة، للسميساطي أبي الحسن علي بن محمد العدوي، الذي كان معلما لأبي تغلب بن ناصر الدولة، وكتاب الفلاحة، لعلي بن محمد بن سعد، وكتاب الفلاحة لابن وحشية، وهذه الكتب وغيرها مما تركه لنا بعض علماء العرب من الكتب الزراعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى