مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن عصفور” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن عصفور” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام ابن عصفور هو أبو الحسن علي بن مؤمن بن محمد بن علي بن أحمد النحوي الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس أخذ العربية والأدب عن أبي الحسن الدباج وأبي علي الشلوبين، واختص به كثيرا، روى عنه الحسن بن عبد الرحمن بن عذرة، كان ماهرا في علم العربية، ريان من الأدب، حسن التصرف، من أبرع من تخرج على أبي علي الشلوبين وأحسنهم تصنيفا في علوم اللسان، ومن آثاره كتاب المقرب في النحو، والممتع في التصريف، وولد ابن عصفور في إشبيلية سنة خمسمائة وسبع وخمسين من الهجرة، الموافق عام ألف ومائتان من الميلاد، خلال عصر الدولة الموحدية بالأندلس، وقيل ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة من الهجرة النبوية الشريفة، وكان شهيد الذكر، رفيع القدر، أصبر الناس على المطالعة، لايمل من ذلك، ما يؤخذ عنه غير النحو، ولا تأهل لغير ذلك، جمع بين الحفظ والإثقان، والتصور وفصاحة اللسان.

 

وهو حافظ متصور لما هو حافظ له، قادر على التعبيرعن محفوظه، وهذه هي الغاية، وهي أن يكون المرء حافظا له متصورامعتبرا، وقل أن يجمع مثل هذا إلا الآحاد، وأخذ النحو عن الذجاج والشلوبين، لازم هذا الأخير عشر سنين إلى أن ختم عليه كتاب سيبويه، في نحو السبعين طالبا، وكل من قرأ على أبي علي الشلوبين ببلده نجب، ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة، توجه بعدها للاشتغال مدة، فأقرأ النحو بإشبيلية، وشريش ومالقة ولورقة ومرسية وأقبل عليه الطلبة وعلا ذكره، وصار له مجلس علم يختلف إليه الطلاب، والعلماء يأخذون عنه، ويفيدون منه، وتجول وسكن ثغري أنفا وأزمور أخرى، وأوطن باخرة تونس، فعرف بها قدره، ودخل مراكش وارتحل إلى العدوة واستوطن بجاية، وسافر مرة أخرى إلى حاضرة إفريقية فحظي بها عند المستنصر بالله وكان أحد خواص مجلسه، وقبل انتقال الإمارة إليه كان يقرأ عليه، وقد قرأ عليه خلق كثير وانتفعوا بعلمه.

 

وكل من قرأ عليه وظهر من أصحابه فمن المبرزين، ثم اتصل ابن عصفور بأمراء زمانه، فكان يخدم الأمير عبد الله بن أبي بكر الهناني، وألف كتابه المشهور في النحو المقرب، بإشارة من الأمير أبي زكرياء يحيي بن أبي محمد عبد الواحد بن أبي بكر، كما ألف كتابه الضرائر بإشارة من الخليفة المستنصر بالله، وطاف المغرب كله، وأقام بتونس شاغلا للطلبة، وكان يملي من صدره، وله اختصاص بالأمير أبي عبد الله بن زكرياء بن أبي حفص، وذكر المؤرخ محمد بلخوجة في العددين الخامس والسادس من مجلة شمس الإسلام قصة ابن عصفور الإشبيلي، فإنه لما دخل ذات يوم على السلطان محمد المستنصر الحفصي وهو ببستانه المعروف برياض أبي فهر بأريانة، قال له السلطان معجبا ببذخ دولته وقوة شوكته قد أصبح ملكنا عظيما، فأجابه الشيخ ابن عصفور بقوله بنا وبأمثالنا، فأثرت هذه العبارة في نفس السلطان ولكنه كظم غيضه.

 

فلم وادعه الشيخ بعد حين وهمّ بالانصراف، أسرّ السلطان لبعض حاشيته بدفعه في جابية البستان عند مروره بها، وهكذا كان، وبسبب ذلك لاقى الشيخ حتفه، ومن هذه الحكاية وأمثالها يظهر صدق ابن خلدون في قوله إن العلماء أبعد الناس عن السياسات، ولابن عصفور كتب في مختلف الأجناس الأدبية وكل ما يتعلق باللغة، فهو لم يقتصر على مجال واحد، فتراه يكتب في النحو والصرف ويشرح دواوين شعرية، كديوان المتنبي، وشرح الأشعار الستة الجاهلية كما تدل تآليفه النحوية على أن له مشاركة في علم المنطق ولأجل ذلك حسن إيراده فيها تقسيما وحدودا، باستعمال حجة ثابتة ودامغة، فيليق كلامه مقدما على كلام غيره من المعبرين من النحاة، أما عن باقي مؤلفاته فهي كتاب المقرب في النحو، ويقال أن حدوده كلها مأخوذة من الجزولية، وزاد فيها ما ورد على الجزولية، وكتاب الممتع في التصريف، وكتاب مختصر المحتسب، وكتاب المفتاح.

 

وكتاب الهلال، وكتاب الأزهار، وكتاب إنارة الدياجي، وكتاب مختصر الغرة، وكتاب المقنع، وكتاب ضرائر الشعر، وكتاب مفاخرة السالف والعذار، وكتاب البديع، وكتاب السلك والعنوان ومرام اللؤلؤ والعقيان، وهو رجز في النحو مع الشرح، وكتاب إيضاح المشكل، وكتاب شرح الإيضاح، ومنظومة في النحو، ومقدمة في النحو وشرحها، وكتاب سرقات الشعراء، وكتاب شرح الجزولية، وكتاب شرح الجمل، وقيل له ثلاثة شروح، وكتاب شرح كتاب سيبويه، وكتاب شرح أبيات الإيضاح، وكتاب شرح المتنبي، وكتاب شرح الأشعار الستة، ولم يكمله، وكتاب شرح المقرب، لم يكمله، وكتاب شرح الحماسة، لم يكمله، وقال عنه ابن الزبير لم يكن عنده ما يؤخذ عنه سوى العربية ولا تأهل لغير ذلك، وقال في ترجمته ابن عبد الملك المراكشي صاحب الذيل والتكملة، من أبرع من تخرج على أبي علي الشلوبين وأحسنهم تصنيفا في علوم اللسان.

 

ورثاه القاضي نصر الدين بن المنير بقوله أسند النحو إلينا الدؤلي عن أمير المؤمنين البطل، بدأ النحو علي وكذا قل بحق ختم النحو علي، وكما ذكرت مصادر ترجمت لابن عصفور، بيتين له من الشعر، قالها ارتجالا، وكان يخضب لحيته في الحناء ويقول لما تدنست بالتفريط في كبري وصرت مغرى بشرب الراح و اللعس، أيقنت أن خضاب الشيب أستر لي، إن البياض قليل الحمل للدنس، وتلقى ابن عصفور الإشبيلي علم العربية عن جماعة من أشهر علماء عصره منهم أبو الحسن الدباج وأبو علي الشلوبين ولازم الأخير عشر سنين إلى أن ختم عليه كتاب سيبويه، وقال مترجموه كان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك، ثم كان بينه وبين شيخه أبي علي الشلوبين منافرة ومقاطعة، فجال بالأندلس وتصدر للاشتغال مدة بعدة بلاد، فأقرأ بإشبيلية، وشريش، ومالقة، ولورقة، ومرسية، وأقبل عليه الطلبة، وعلا ذكره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى