مقال

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 8″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن موقعة عين جالوت ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ودخل جيش المسلمين دمشق واستتب الأمن، وانتهت الفوضى التي عمت دمشق، واستقر الوضع بسرعة، وأمّن النصارى واليهود على أموالهم وأرواحهم وممتلكاتهم، وقام قطز بعزل ابن الزكي قاضي دمشق الذي عينه التتار، وعيّن مكانه نجم الدين أبو بكر بن صدر الدين بن سني الدولة، الذي بدأ يفصل في القضايا، ويحكم في المخالفات التي وقعت بين المسلمين والنصارى، وفي يوم عيد الفطر أرسل سيف الدين قطز الظاهر بيبرس بمقدمة جيشه لتتبع الفارين من التتار، وتطهير المدن الشامية الأخرى من الحاميات التتارية، فوصل بيبرس إلى حمص، واقتحم معسكرات الحامية التتارية وقضى عليهم وهرب من هرب منهم، وأطلق سراح المسلمين الأسرى الذين كانوا في قبضة التتار، ثم انطلقوا خلف الحاميات التتارية الهاربة، فقتلوا أكثرهم وأسروا الباقين ولم يفلت منهم إلا الشريد، ثم اتجه بيبرس بمقدمة جيشه إلى حلب، ففر منها التتار، واستطاع المسلمون تطهير بلاد الشام بأكملها من التتار في بضعة أسابيع.

 

وأعلن سيف الدين قطز توحيد مصر والشام تحت دولة واحدة بزعامته، وكانت هذه الوحدة هي الوحدة الأولى بين الإقليمين منذ عشر سنوات، وذلك منذ وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وخُطب لسيف الدين قطز على المنابر في كل المدن المصرية الشامية والفلسطينية، وبدأ قطز في توزيع الولايات الإسلامية على الأمراء المسلمين، وأرجع بعض الأمراء الأيوبيين إلى مناصبهم، وذلك ليضمن عدم حدوث أي فتنة في بلاد ومدن الشام، فأعطى قطز إمارة حمص للأشرف الأيوبي الذي أرسل صارم الدين أيبك إلى قطز قبل معركة عين جالوت يعلمه ببعض المعلومات السرية، وأعطى إمارة حلب لعلاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ، وأعطى إمارة حماة للأمير المنصور، وعين الأمير المملوكي جمال الدين آقوش الشمسي وهو قاتل القائد المغولي كتبغا، على الساحل الفلسطيني وغزة، أما دمشق فقد عين عليها علم الدين سنجر الحلبي، وفي يوم السادس والعشرين من شهر شوال.

 

عام ستمائة وثماني وخمسين من الهجرة، الموافق الرابع من شهر أكتوبر عام ألف ومائتان وستين ميلادي، عاد سيف الدين قطز لمصر، وكان للانتصار في معركة عين جالوت أثرا كبيرا جدا في روح ومعنويات المسلمين من جهة، وفي طموح المسلمين في تحرير ما بقي من مدن وبلدات العالم الإسلامي التي كانت تقبع تحت احتلالين فالأول هو الاحتلال المغولي والثاني الاحتلال الصليبي، وتبدد الاعتقاد بمقولة أن التتار لا يمكن أن يُهزموا، وبدأ المماليك في الإعداد لاستعادة هيبة الإسلام بعد غياب دام سنين طويلة، وكما استطاع المماليك وقف تمدد المغول العسكري في الشام وفلسطين والأناضول، ولم يتمكن المغول من غزو بلاد الشام لفترة من الزمن، وكان من أهم نتائج معركة عين جالوت أن هولاكو الذي استقر في تبريز لم يفكر في إعادة احتلال الشام مرة أخرى، وكان أقصى ما فعله ردا على عين جالوت هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب.

 

وتعتبر معركة عين جالوت البداية الحقيقية لحكم المماليك في العالم الإسلامي، وحملهم لواء الإسلام والذود عن أراضيه، والتي دامت قرابة ثلاثة قرون، فحملوا على عاتقهم صد هجمات التتار والصليبيين، وأضفوا على دولتهم شرعية أكبر من خلال جعل الخلافة العباسية في القاهرة في عهد الظاهر بيبرس، ثم بدؤا مهمة تحرير بلاد الشام من الصليبيين وبعد أشهر قليلة من عين جالوت بدأ بيبرس في الإغارة على الإمارات الصليبية، فتساقطت تلك الإمارات ابتداء من عام ستمائة وأربع وستين من الهجرة، الموافق ألف ومائتان وخمس وستين مبلادي، فتحررت مدن قيسارية وحيفا ثم حصن أرسوف في فلسطين، وفي عام ستمائة وخمس وستين من الهجرة، الموافق ألف ومائتان وست وستين مبلادي، حررت صفد، وبينما كان بيبرس يحرر هذه المدن، كان قائده المنصور قلاوون يحرر قليقلة في الأناضول، وانتصر على الأرمن بقيادة الملك هيثوم.

 

وفي عام ستمائة وست وستين من الهجرة، الموافق ألف ومائتان وسبع وستين مبلادي، حرر بيبرس مدينة يافا، وفي عام ستمائة وسبع وستين من الهجرة، حُررت أنطاكيا وإمارة بوهمند الثالث أمير أنطاكية الذي كان متحالفا مع التتار، وهي أول مملكة صليبية في بلاد المسلمين، ولم يبقي عند وفاة الظاهر بيبرس من المدن الإسلامية المحتلة سوى عكا التي كانت أقوى الإمارات الصليبية، بالإضافة إلى صور وصيدا وطرابلس واللاذقية وطرطوس، ثم حررت طرابلس في سنة ستمائة وأربع وثمانين من الهجرة، الموافق ألف ومائتان وخمس وثمانين مبلادي، أي بعد معركة عين جالوت بستة وعشرين سنة عل يد السلطان المملوكي المنصور قلاوون، ثم خلفه بعد وفاته ابنه الأشرف صلاح الدين خليل الذي أخذ على عاتقه تحرير بقية المدن الإسلامية المحتلة من الصليبيين، واستطاع تحرير عكا في عام ستمائة وتسعين من الهجرة، بعد قرنين من احتلال الصليبيين لها، وبعد فشل كل الأمراء المسلمين قبله في فتحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى