مقال

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 10″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فقد تحول ولاة الولايات العباسية إلى سلاطين على ولاياتهم، يحكمون فيها، ويورثون حكمها لذريتهم، دون أن يتركوا للخليفة، أو سلطة بغداد بشكل عام، غير الخطبة في صلاة الجمعة، وسك اسم الخليفة على النقد وهكذا لم يكن هناك سلطان واحد بل مجموعة سلاطين مستقلين بشؤونهم الداخلية والخارجية، تحت سيادة الخليفة الاسمية، بما يشبه الكونفدرالية في الوقت الحاضر، مع الإشارة إلى تحارب هؤلاء السلاطين وهذه الدول بين بعضها البعض في كثير من الأحيان، بل وتوسعها على حساب بعضها البعض، حتى تستولي على بغداد نفسها كما حصل مع الدولة البويهية والدولة السلجوقية، وأما عن الجيش العباسي كان جيشا دائما مستقرا، يقيم أغلب جنده في بغداد إلى جانب الخليفة، مع وجود جيوش منفصلة في الولايات، ومن ثم للدول التي نشأت في كنف الدولة العباسية، وكان الجيش خلال عهد القوة يأتمر بأمر الخليفة، ثم بات خلال عهود الضعف يتحرك بأمر الولاة والسلاطين.

 

ولم يكن هناك عسكرية إجبارية في الدولة العباسية، غير أن كل ذكر قادر على حمل السلاح يجب عليه الانضمام للجيش عند إعلان الجهاد، بما يشبه النفير العام في حالات الحرب، والجيش العباسي هو بالمقام الأول جيش عقائدي، يقوم على المفاهيم والشرائع الإسلامية، والتي أبرزها نشر الإسلام وحماية الخلافة، وكان يتم الإنفاق على الجيش من خزينة الدولة مباشرة، ولما زاد عدد الجند إلى درجة أثرت على الأسعار والاستقرار المعيشي في بغداد، اضطر الخليفة إلى نقل عاصمة الدولة إلى سامراء، مسكنا كتائب جيشه فيها وفي عهود الضعف اللاحقة لعب الجيش الدور البارز في إدارة دفة الحكم، وشكل قادة الجيش جزءا أساسيا من الطبقة الحاكمة، بل إن مهمة الجهاد والدفاع عن حدود الدولة تم تركها لجيوش سلاطين الولايات أغلب الأحيان، في حين اهتم جيش الخلافة في بغداد بالحروب الداخلية وتعيين الخلفاء والسلاطين وعزلهم على أن جيش بغداد قد تبع دوما إمرة السلطان.

 

مع وجود فصيل مستقل يدعى حرس الخلافة، ويلقب قائده بمؤتمن الخلافة، ويتبع القصر مباشرة، وعموما فإن جيوش الولايات كانت أكبر وأقوى من جيش بغداد، وقد حققت إنجازات أعمق كجيشي كل من الدولة الزنكية والدولة الأيوبية، أما أسلحة الجيش فقد كانت بالنسبة للجندي تقليدية، ممثلة بالسيوف والدروع والهِراوات، هذا وقد تمتع الجيش بأسلحة أخرى متطورة بمقاييس عصرها كالمنجنيق والمدق والضبر، غير أنه في عصور انحطاط المماليك كان الجيش من ناحية الأسلحة متخلفا، ولم يدخله البارود والسلاح الناري مطلقا، ما سهل من سيطرة العثمانيين على البلاد بين عامي ألف وخمسمائة وستة عشر وسبعة عشر ميلادي، وكما كانت هناك فكرة الإنكشارية التي ترعرعت وازدهرت لاحقا خلال عهد الدولة العثمانية، وظلت جيشها الرسمي حتى عهد السلطان محمود الثاني، إنما تأسست في كنف الدولة العباسية، ومنذ فترة مبكرة خلال خلافة المأمون.

 

ولكن أضخم تطبيق لها كان خلال أواخر أيام الدولة الأيوبية، وتقوم فكرة الإنكشارية على شراء عبيد صغار في السن، أو أسرهم خلال الحروب، ومنحهم في معسكرات خاصة منذ نعومة أظفارهم تربية عسكرية، وتدريبا على حمل السلاح، وتلقينهم العقيدة الإسلامية، وحماية الخليفة أو السلطان، وقد دعي هؤلاء في العصر الأيوبي بالمماليك، واستطاعوا الانقلاب على الأيوبيين أنفسهم، وتأسيس سلطنتهم الخاصة أما من ناحية المعارك فقد عوّل السلاطين عليهم في تحقيق النصر، سواء في الدولة العباسية حين قضوا على إمارة طرابلس وإمارة أنطاكية، التابعتين للصليبيين، وصدّوا هجمات المغول، وقد اشتهر عن المماليك القوة في الحرب، أم في الدولة العثمانية حين فتح السلاطين أغلب أمصارها بواسطتهم، غير أن طلباتهم المتكررة دفعت الدولة للتخلص منهم خلال سلطنة محمود الثاني في القرن التاسع عشر، ويعتبر الدين الإسلامي هو أحد المقومات الرئيسية التي قامت عليها الدولة العباسية.

 

وقد شهد هذا الدين في كنفها تطورا كبيرا حيث كان له أثر سلبي في بعض الأحيان، وأثر إيجابي في أحيان أخرى، فإن انتشار الإسلام بين الشعوب غير المسلمة، وفهم هذه الأخيرة للإسلام بطريقتها الخاصة، المتأثرة بفلسفاتها ومعتقداتها القديمة، فضلا عن الاجتهادات الخاصة لبعض الفقهاء، أدى إلى نشوء طوائف ومذاهب عديدة داخل المؤسسة الإسلامية نفسها بعضها اندثر، والبعض الآخر لايزال قائما حتى اليوم، ومن الطوائف الإسلامية التي نشأت خلال العهد العباسي هي المعتزلة والمرجئة والإباضية وغيرهم، كما نشأت عن الطائفة الشيعية عدة طوائف، نتيجة اختلافات فقهية، أو اختلاف حول وراثة منصب الإمام الشيعي، فنشأت بذلك الطائفة الإسماعيلية والنصيرية والدرزية، أيضا فإن بدايات الصوفية نشأت في العصر العباسي، وترعرعت فيه مدارسها وتقنياتها المختلفة، وصيغت أدبياتها، ولم تكن العلاقة جيدة بين مختلف الطوائف، رغم أن الباحثين يسوقون قيامها إلى الغنى الثقافي والتنوع الحضاري إذ قامت العديد من الفتن والاقتتالات الطائفية بين مختلف الطوائف، وبشكل متواتر طوال تاريخ الدولة، ما أثر على وحدتها وولاء مواطنيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى