مقال

الدكروري يكتب عن النبي مع عدّاس 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن النبي مع عدّاس

بقلم / محمـــد الدكــروري

 

تزخر رحلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بالعظات والمواقف التي ينبغي الوقوف عليها مليا، فالمتمعن في تلك الحادثة وما أعقبها من حوادث في الدولة الإسلامية تتجلى له أهمية تلك الرحلة وأثرها على المدى البعيد على مسار الدولة الإسلامية ككل، ومن أبرز ما يمكن أن يُستفاد من هذه الرحلة وهو أنه يعتبر توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بعد أن رفض كفار قريش الإيمان بدعوته والتصديق بها هو أكبر دليلا على حرصه على الدعوة وإصراره على هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنه لم ييأس من موقف قومه المعادي لدعوته، لا بل أنه سعى لإيجاد مأوى تنشأ فيه الدولة وتنمو حتى يبلغ غايته، ويتضح في هذه الرحلة عظيم الخُلق النبوي في الصفح والعفو عن المسيئين له، حيث عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن سادات الطائف رغم طردهم له، وتسخير صبيانهم لسبه وضربه.

 

وكذلك في وقت الشدائد لا يكون الالتجاء إلا لله سبحانه وتعالى، وقد ظهر ذلك جليا في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لربه أن يكشف عنه ما يجد من كرب، بعد ما تعرض له من الصد والتكذيب والشتم والإساءة ، وإن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يخاطبكم من خلال رحلة الطائف، ويقول لكم يا مسلمون إن أردتم العون والنصر والفرج من الله، فسيروا على ما سرت عليه، اصبروا على البلاء والمصائب كما صبرت في رحلة الطائف، واثبتوا على الطاعة كما ثبت في رحلة الطائف، وتمسكوا بدينكم وعقيدتكم كما تمسكت في رحلة الطائف، وضحوا ولو بالشيء القليل كما ضحيت بالغالي والنفيس في رحلة الطائف، ولكن كيف وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف؟ وكيف استطاع أن يقطع كل هذه المسافة؟ أو هل سار على الأقل على بعير أصيل؟ فإن الجواب هو لا، إنما سار إلى الطائف على قدميه الشريفتين ولكن لماذا كل هذه المتاعب والمحن والشدائد؟

 

فهل هي من أجل ماذا؟ هل من أجل الحصول على الجاه؟ أم هل من أجل الحصول على المنصب؟ أم هل من أجل الحصول على المال؟ أم هل من أجل الحصول على الملذات والشهوات؟ أم هل من أجل الحصول على الشهرة ؟ لا، بل من أجل أن يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن أجل الدين والعقيدة، ولما رأى منهم الاستهزاء والسب والشتم والطرد، طلب منهم أن لا تخبروا أهل مكّة بمجيئه إليهم، ولكن أهل الطائف تخلوا عن أبسط مظاهر الخلق العربي، وهو إكرام الضيف الغريب، كانوا أشد خسه ودناءة مما توقعه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتدري ماذا فعل سادة ثقيف؟ لقد أرسلوا رسولهم إلى مكة لِيخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لمحمد في الطائف، ولم يكتفوا بهذا، بل تخلوا عن أخلاق العرب كلها، فسلطوا عليه الصبيان والعبيد والسفهاء، ووقفوا صفين، وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون منه، ويسبونه بأقبح السباب والشتائم.

 

ولم يجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعدما جلس والدماء تنزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين، إلا أن يتوجه إلى ربه، وراح النبي صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابه الذين يجلدون ويعذبون في مكة، وتذكر خديجة، وتذكر أبا طالب، فلم يجد بدا من أن يرفع هذه الشكوى إلى الله، فلما رآه ابنا ربيعة شعرا نحوه بالعطف فأمرا غلاما لهما نصرانيا اسمه عدّاس بأن يعطى محمدا قطفا من العنب‏‏ فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده إليه قائلا‏‏‏ “بسم الله ” ‏ثم أكل‏، فقال عداس‏ إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ ” من أي البلاد أنت‏؟‏ وما دينك‏؟‏ ” قال‏‏ أنا نصراني من أهل نِينَوى‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ ” من قرية الرجل الصالح يونس بن متى “‏ قال له‏‏ وما يدريك ما يونس ابن متى‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏‏ ” ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي “‏

 

فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلها‏ وأثناء عودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وكما جاء في الحديث عن عروة بن الزبير، أن السيدة عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم‏، هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد‏؟‏ قال‏” ‏لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم، على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، وهو المسمى بقرن المنازل، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال‏‏ إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‏‏ فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال‏ يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، أي لفعلت.

 

والأخشبان‏ هما جبلا مكة‏‏ أبو قبيس والذي يقابله، وهو قعيقعان فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏‏ بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا ” رواه البخاري، ويمكن أن تكون النتائج لإيجابية في النهايات، ولا يجب الاستعجال في طلبها، فقد عاد النبي الكريم من الطائف مطرودا، لكنه مع ذلك لم ينثني عن الدعوة فقد دعا عداس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولقي نتيجة دعوته، وعاد بعداس مسلما ولا بد لمن يقوم بالدعوة أن يتعرض لشيء من الطرد والتكذيب والتشويه والشتم والإهانة، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعرض لذلك وهو أشرف الخلق وأطهرهم وأصدقهم لذلك ينبغي للداعي أن لا ييأس أو يقنط إن أصابه شيء من ذلك بل يجب عليه أن يصر على دعوته اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى