مقال

الدكروري يكتب عن أضرار المال المسروق

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أضرار المال المسروق

بقلم / محمــــد الدكـــــروري

 

إن المال المسروق مال محرم مسحوق البركة لا ينفع صاحبه، بل يضرّه، حتى لو أراد فعل الخير به وبناء المساجد، ورعاية الأيتام، ومن اكتسب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله جميعا فقذف به في جهنم، ولقد جاء الإسلام لرعاية الناس ولرعاية المال، ومن هنا يقول الله عز وجل في حدّ السرقة ” السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبت نكالا من الله” واليد تقطع بجريمة السرقة، مع أن الأصل فيها أنها ثمينة بحيث لو اعتدى إنسان على يد آخر فقطع يده ظلما وعدوانا فإنه يدفع دية اليد المقطوعة خمسين ناقة، وأما إذا سرقت اليد فإنها تُقطع بأمر من الله عز وجل بعشرة دراهم، وربما تعجب البعض إذا قطع إنسان يد إنسان دفع ديتها خمسين ناقة، وإذا سرقت اليد عشرة دراهم قطعت اليد؟ نعم، لأن اليد عندما كانت أمينة كانت ثمينة، وعندما خانت هانت، ولا يشك مسلم ولا عاقل في جرم السرقة.

 

وتحريمها في شرائع الناس كلهم، مهما قل قدرها وخفيت سبيلها، نقودا أو منافع، منقولات أو عقارات، حرّم الإسلام السرقة، وحذر من ضررها في الدنيا والآخرة، وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أول الإسلام يبايع المسلمين رجالا ونساء على اجتنابها، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ” كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله عز وجل كما جاء في سورة الممتحنة ” يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك علي أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن” واعلم أيها السارق بأنك ستحاسب يوم القيامة، واسمع ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ” لعن الله السارق، يسرق البيضه فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده” واللعنة تعني الطرد من رحمة الله، فهنا يجب علينا جميعا أن نتصور أن السارق سرق بيضة فطرد من رحمة الله، وسرق حبلا فطرد من رحمة الله.

 

فلو كان إيمان هذا الإنسان كاملا في قلبه لما اجترأ على السرقة، لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن” ونفهم من قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟ أن تتلمس الإيمان في قلبك الذي هو سر سعادتك في الدنيا والآخرة، وإن سُلب من قلبك الإيمان لا قدر الله فأي سعادة ترجوها، وخاصة أننا عرفنا من سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما بايع أصحابه الكرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري ” بايغوني علي أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا” وإن عقوبة السرقة في الإسلام بقطع اليد ليست مجحفة وقاسية، وإنما تسعى لردع السارق وحفظ حقوق الغير ورعاية مصالحهم، حتى لا ينتشر الفساد، لذلك لا يطبق الحد إلا في حالة ثبوت الجريمة على السارق.

 

فإذا ثبتت حكم ولي الأمر أو القاضي بالعقوبة المقررة في الإسلام على السارق، حتى لا تضيع المجتمعات، وتصبح الأموال عرضة للاغتصاب وينتشر الفساد وتنهار المجتمعات، فكل شخص يجب عليه أن يجتهد ويكسب من عرق يده، لا يأكل أموال الآخرين غصبا، وإن حد السرقة في الإسلام هو قطع يد السارق اليمنى، فإن أعاد السرقة تقطع قدمه اليسرى، وإن عاد تقطع اليد اليسرى، فإن لم يرتدع تقطع قدمه اليمنى، ولما صعب في بعض المواقف ثبوت حالة السرقة فقد رأى الشرع بنشر عقوبة التعزير، بعقوبات أخرى كالسجن، لطالما لم يكون هناك دليلا قويا على سرقة السارق، أو اعترافه بها، ولا تطبق حدود السرقة في أوقات الحروب والغزوات والمجاعات، وذلك تخفيفا عن الناس لما في هذه الأوقات من كرب ونقص في كافة الموارد الاقتصادية، فيا أيها السارق، أتعرض نفسك ألا يقبل الله عز وجل منك صدقة؟

 

لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، أتعرض نفسك لأن لا يقبل الله عز وجل منك صرفا ولا عدلا، لأن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، أتعرض نفسك لضياع أجر الصدقة التي بها يستظل الناس يوم القيامة في أرض المحشر، وبالصدقة تطفئ غضب الرب، والصدقة تكون وقاية بينك وبين النار، تصدقوا ولو بشق تمرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما حذرنا من النار قال، كما جاء في صحيح البخاري ” اتقوا النار ولو بشق تمرة” وإن هناك شروط وجوب حد السرقة، وهي أن يكون السارق مكلفا وهو البالغ العاقل، مختارا، مسلما كان أو ذميا، وأن يكون هذا الأخذ على الاختفاء والاستتار، وأن يكون المال في حرز وهو يخرجه، وكذلك انتفاء الشبهة، وأن يكون مالا محترما، فلا حد على من يسرق خمر أو أشياء محرمة، وأن يكون السارق مختارا، فلا قطع على المكره لأنه معذور، وأن يبلغ النصاب، وهو ربع دينار ذهبا فأكثر، وأن يكون عالما بالتحريم.

 

فلا قطع على جاهل بتحريم السرقة، وأن يأخذ المال على وجه الخفية، فإن لم يكن كذلك فلا قطع كالاغتصاب، والاختلاس، والنهب، والغش، ونحوها، وإنما فيها التعزير، فإذا تحققت هذه الشروط تكون السرقة موجبه للحد، فيا أيها السارق ، أتعرض نفسك لا قدر الله أن توصف بوصف جاء منه الكفر والنفاق، ألا وهو وصف الكذب؟ هل رأيتم سارقا صادقا؟ السارق كاذب، ونتيجة الكذب رسمها النبي صلى الله عليه وسلم وبيّنها لنا بقوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في صحيح الإمام مسلم ” وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عن الله كذابا” فيا أيها السارق، أتعرض إيمانك للضياع من أجل جنيهات بسيطة، والدنيا كلها بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى