مقال

الدكروري يكتب عن المؤمن رجاؤه بالله عظيم

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المؤمن رجاؤه بالله عظيم

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد حصر الله تعالى الدنيا في أشياء خمسة، وهي لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر، ثم مثلها بمثل الغيث إذا نزل على الأرض الميتة ثم أنبتت ثم اصفر نباتها ثم تحطم وصار هشيما تذروه الرياح، وختم القول ببيان من هذه حاله بأنه متاع الغرور، يعني زاد المغرورين المنخدعين، وقال القرطبي في تفسيره “لعب كلعب الصبيان ولهو كلهو الفتيان وزينة كزينة النسوان وتفاخر كتفاخر الأقران وتكاثر كتكاثر الدهقان، وقيل المعنى أن الدنيا كهذه الأشياء في الزوال والفناء، فقال الله تعالى فى سورة الحديد ” اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” ولذا قال العلامة ابن عطية رحمه الله إن طيب الحياة اللازمة للصالحين، إنما هو بنشاط نفوسهم ونيلها قوة رجائها.

 

فالمؤمن رجاؤه بالله عظيم، وتعلقه بالله كبير ولذا لا تضيق عليه المضائق، ولا تصعب عليه الصعوبات التي تواجه غيره لأنه يرجو من الله الفرج، ولولا وجود الأمل في الدنيا، لضاقت بالناس معايشهم، وجاء عن بعض العلماء ما يفيد أن الحياة الطيبة شاملة لذلك كما تقدم، وهذا ما أشار إليه العلامة الحافظ ابن كثير رحمه الله، وقال إن الصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله، ولذا فمما تقرره هذه الآية الكريمة، وما جاء في معناها من نصوص شريفة، أن الحياة الطيبة ليست كما يسبق إلى مفهوم كثير من الناس أنها مرتبطة بالمال، نعم المال وجه من وجوه السعادة، لكن يمكن أن يقوم بغيرها، نعم المال وجه من وجوه السعادة، لكن مع وجود نظرة مستقيمة متوازنة إليه لأنه ربما كان المال سببا لشقاء صاحبه، فقد يكون التاجر الذي يملك الأموال الطائلة مصبحا وممسيا في شقاء لا يعلمه إلا الله، فهو يكد ليجمع المال، ثم يكد ليحفظه ويحافظ عليه.

 

فيصبح ويمسي في الشقاء والصعوبات، يصبح ويمسي في شقاق ومنازعات، وربما أمضى حياته كلها على هذه الحال، لكن تجيء الشريعة لتقرر النظرة الصائبة لهذا المال، وما أعظم ما نبّه إليه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهو الذي عُرض عليه أن تكون جبال مكة ذهبا، وعُرض عليه أن يكون نبيّا ملكا، ولكنه اختار أن يكون عبدا رسولا صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لأبي ذر الغفارى رضي الله عنه “ما يسرني أن عندي من المال كذا وكذا من مال كثير، ثم أصبح وأمسي إلا وقد قلت به هكذا وهكذا، وهكذا عن يمينه وشماله، ومن أمامه” يعني أنه ينفقه فيما يحبه الله وفي مراضيه، ولذلك فإن الكرام من الناس والنبلاء لا يشعرون بلذة من المال إلا إذا قضوا به الحاجات، وساعدوا به الناس، ودفعوا به الفاقات، ما قيمة مال يكدس في الأرصدة لا توصل به رحم، ولا ترفع به فاقة، ولا ترسم به على الوجوه سعادة؟

 

فإن مالا هذه حاله وجوده كعدمه، بل ربما أدى إلى بعض الناس إلى أن يقتر على نفسه هو، وعلى أهل بيته وقرابته، ومثل هذه النظرة تبين أن المال ليس هو المقصود في ذاته، إن في الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير، تطيب بها الحياة في حدود الكفاية، فيها الاتصال بالله والثقة به سبحانه، والاطمئنان إلى رعايته وإلى ستره ورضاه، في الحياة الدنيا أشياء كثيرة غير المال تطيب بها الحياة الصحة والهدوء، والرضا النفسي، والبركة التي تكون في حياة الإنسان، وإن في الحياة الدنيا أشياء كثيرة غير المال تطيب بها الحياة، من مثل سكن القلوب، ومودات القلوب، والفرح بالعمل الصالح، وآثاره في الضمير وفي الحياة، ليس المال إلا عنصرا واحدا يكفي منه القليل حين يتصل القلب بالله الكريم، فإن هذه الشريعة الغرّاء تعدّل نظرة الناس إلى المال وحقيقته، وكيف يستمتع به، وفي هذا روى الإمام الترمذي والنسائي.

 

من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول “قد أفلح من هُدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا، وقنع به” فإن من الناس من يملك المال الكثير الوفير ما يكفيه ويكفي أولاده وأحفاده، لكنه في هلع عظيم، لم؟ لأنه لم يقنع، ومن الناس من عنده من المال اليسير الذي يقضي به حاجاته، ولا يفتح لغيره بابا في مطالبة، ولكنه يشعر أنه أغنى الخلق، وذلك بقناعته التي حصلت في قلبه وصلته بربه بأن صرف هذا المال كما أراد الله جل وعلا، وقد أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع به يعني أنه حصل به ما يكفيه ويسد حاجته دون استطالة ولا استكثار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى