مقال

الدكروري يكتب عن قريش تساوم النبي

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن قريش تساوم النبي

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد تشاور رؤساء قريش فيما بينهم وفكروا في كل جوانب القضية، ودرسوا كل المواقف بروية وتريث، ثم اجتمعوا يوما عند ظهر الكعبة بعد غروب الشمس، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعونه، فجاء مسرعا يرجو خيرا، فلما جلس إليهم ساوموه وعرضوا عليه الملك والجاه والمال والعلاج مما ظنوه به من جنون، فرفض صلى الله عليه و سلم، مساوماتهم، ودعاهم إلى إله بكل ثبات وأخبرهم أنه عبد رسول من الله لهم يحذرهم من عذابه و يبشر من أجاب بالنعيم المقيم، فانتقلوا إلى نقطة أخرى، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يسير عنهم الجبال، ويبسط لهم البلاد، ويفجر فيها الأنهار، ويحيى لهم الموتى ولا سيما قصي بن كلاب فإن صدقوه يؤمنون به‏،‏ فأجاب بنفس ما سبق من الجواب‏،‏ فانتقلوا إلى نقطة ثالثة، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يبعث له ملكا يصدقه.

 

ويراجعونه فيه، وأن يجعل له جنات وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة، فأجابهم بنفس الجواب‏، فانتقلوا إلى نقطة رابعة، وطلبوا منه العذاب‏ أن يسقط عليهم السماء كسفا، كما يقول ويتوعد، فقال‏ “ذلك إلى الله، إن شاء فعل”‏ فقالوا أما علم ربك أنا سنجلس معك، ونسألك ونطلب منك، حتى يعلمك ما تراجعنا به، وما هو صانع بنا إذا لم نقبل‏، وأخيرا هددوه أشد التهديد، وقالوا‏‏ أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرف إلى أهله حزينا أسفا لما فاته ما طمع من قومه‏، ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم خاطبهم أبو جهل في كبريائه وقال‏ يا معشر قريش، إن محمدا قد أبي إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وأني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله.

 

فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم، قالوا‏ والله لا نسلمك لشيء أبدا، فامض لما تريد‏، فلما أصبح أبو جهل، أخذ حجرا كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو، فقام يصلي، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما ممتقعا لونه، مرعوبا قد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا له‏‏ ما لك يا أبا الحكم‏؟‏ قال‏ قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من الإبل، لا والله ما رأيت مثل هامته، ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط.

 

فهمّ بى أن يأكلنى‏،‏ فقال ابن إسحاق‏ فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏ “ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه‏” وهكذا فإن الله يحفظ أولياءه، نعم يؤذون، ويضطهدون، ويحبسون، ويقدمون رؤوسهم رخيصة لله، ولكن ينتصرون، لأن العاقبة للمتقين، فيقول تعالي في سورة غافر “إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار” والنتيجة الحتمية، أنهم هم المنتصرون في آخر المطاف، وأن الباطل ومهما علا، ومهما كبر، فإنه كما قال سبحانه في سورة الرعد ” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” فإن الباطل له صولة، والحق له دولة، والعاقبة للمتقين، وإن عالم التضحيات والبذل، تحقق في سيرته عليه الصلاة والسلام، لكن ما فعلت أنا.

 

وماذا فعل أنت لهذا الدين؟ ماذا قدمنا؟ ورسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، شغله الشاغل، أنفاسه، خواطره، أفكاره، أمواله، أهله، روحه، لله، يقول في أحد مواقفه “والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل” فقد هاجر من مكة مطرودا، وأغلقت مكة أبوابها في وجهه، ووقف في حمراء الأسد، يخاطب مكة، فبينه وبين مكة كلام رقيق مشوق، فيقول لمكة “والذي نفسي بيده إنك من أحب بلاد الله إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت” ثم تدمع عيناه ويذهب، بناته أمامه، يضربن، فلا يستطيع أن يدفع عنهن الظلم، يوضع السلا على رأسه وهو ساجد فلا يتحرك، وهم يضحكون، ثم تأتي السيدة فاطمة رضي الله عنها فتلقي السلا عن ظهره، فلما قضى رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة.

 

قال “اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليكم بقريش، اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد” قال عبد الله فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، فصلى الله وسلم وبارك عليك يا رسول الله، فإنأعمامه يكذبونه أمام الناس، ويحثى التراب عليه، ويطارد بعيداً بعيدا، يشج رأسه، ويدمى أصبعه، وتكسر رباعيته، فيصبر ويحتسب، ويريدون إغلاق صوته، فيزداد الصوت، أقوى، وأعظم، وأعمق، وأأصل، فيصل إلى المدينة فإذا الدنيا تتحدث عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى