مقال

الدكروري يكتب عن أضرار المال ونفعة

الدكروري يكتب عن أضرار المال ونفعة
بقلم / محمــد الدكــروري

إن القلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن، والغالب في أمراض القلب أنها لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فالهم والغم والحزن من أمراض القلب، وشفاؤها بأضدادها من الفرح والسرور والأنس، وجماع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات، والقرآن شفاء للنوعين، ولغيرها من الأسقام ففيه من الآيات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشّبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك، بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه وفيه إثبات التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد، وإثبات النبوات، وفي ذلك كله شفاء من الجهل، وهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه.

وما من مطمح مأمول فيه إلا والمال سبيل للوصول إليه، ولكنه مع كل ذلك لا يكون نعمة حقيقية، ولا ميزة جوهرية، حتى يوفق أربابه إلى حُسن استخدامه، وجميل تسخيره فيعرفون أنه منة من الباري، وعطاء من العظيم وأنه فتنة ومضله ومزله، إن لم يمضي به المرء إلى مراد الله فيشكره على ذلك شكرا عمليا، بتسخيره فيما يحب، وإنفاقه فيما يأمر، وصرفه فيما ينفع ويرفع، وبذله في وجوه الخير، وصرفه في أنواع البر، ولا يبخل به عن معروف، ولا يشح به عن واجب، فتكون النعمة نعمتين، والروعة روعتين، يعيش غنيا، ويحشر تقيا، هذا هو الذي يحسد أمثاله، ويغبط أشباهه، وكيف لا يغبط صاحب المال الذي يسلطه في الحق، وهو في أجر دائم، وحسنات دائبة، وخير عميم، ودعاء عريض؟

والله يحبه، والناس تحبه القلوب تدين له، والأرواح تبجله، والملائكة تحفه وما من يوم إلا والمنادي ينادي “اللهم أعط منفقا خلفا” وينمّي الله حسناته، ويضاعف مثوبته ويفك الأسير، ويعين الفقير، ويسعد الشقي، ويعطي اليتيم، ويحنو على الضعيف، ويجود على القريب، ويصل الرحم، وينفس الكروب، وينصر الإسلام، ويدعم الجهاد، ويقوّي دعائم الدين، ويُسهم في عزة المسلمين، ويقيل عثرات العاثرين، ويبني المساجد، ويشيد المدارس، ويقيم المعاهد، ويعالج المرضى، ويطعم الجوعى، ويسعف المنكوبين، ويقضي دين المدينين وما من خير إلا ويسهم فيه، ولا بر إلا يسابق إليه، حسانته أنهار رقراقة، وأجره عيون دفاقة، فيعطي ويعطيه الله.

وينفق فيعوضه الله، ويبذل فيخلفه الله،ويصرف فيحبه الله، ويجود فيجود عليه الله، ويكرم فيكرمه الله، ويُسعِد فيسعده الله، ويرحم فيرحمه الله تعالي، والله عز وجل به يباهي، والملائكة له تحف، والكتَبة يسجّلون، والناس يدعون، والفقراء يبتهلون، واليتامى يناجون، والأجر والخير فنون وفنون، أفلا يحسد أمثاله، ويغبط أشباهه؟ يا له من خير عميم، وفضل كريم، وعطاء جسيم، وأما عن شفاء القرآن لمرض الشهوات، فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة، بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده، ويرغب عما يضره، فيصير القلب محبّا للرشد مبغضا للغي.

ويعود للفطرة التي فطره الله عليها، كما يعود البدن المريض إلى صحته، وإن نجاسة الفواحش والمعاصي في القلب بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، وبمنزلة الخبث في الذهب والفضة، فكما أن البدن إذا استفرغ من الأخلاط الرديئة، تخلصت القوة الطبيعية منها فاستراحت، فعملت عملها بلا معوّق ولا ممانع فنما البدن، فكذلك القلب إذا تخلص من الذنوب بالتوبة، فقد استفرغ من تخليطه، فتخلصت قوة القلب وإرادته للخير، فاستراح من تلك الجواذب الفاسدة، والمواد الرديئة فزكا القلب ونما، وقوي واشتد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى