مقال

قراءة بالعربي لإنتفاضة فلسطين

جريدة الاضواء

قراءة بالعربي لإنتفاضة فلسطين 

كتب / يوسف المقوسي 

ما أبلغ الدروس والعبر التي تلقيها علينا، بغير قصد وبعفوية مطلقة، وكل يوم، هذه الانتفاضة الشعبية المباركة في أرض فلسطين المحتلة، نحن في الوطن العربي المقسم بحدود الجراح أمماً (وأهدافاً) شتى.

إنهم يفعلون، بالضبط، عكس ما يصار إلى ارتكابه باسمنا هنا، ومن هنا فهم يحتلون كل ساعة مساحة إضافية من اهتمامات العالم ومن وجدان إنسانه، في حين يمكن توجيه التهاني حارة إلى الزعامات العربية الماجدة لنجاحها الباهر في إسقاط الوطن العربي ذاكرة الدنيا، دولاً وشعوباً وأفراداً تنظمهم أحزاب وهيئات أو يتوزعون وفق أمزجتهم والأهواء.

ولنبدأ باستعراض المفارقات الجارحة والمؤلمة ولو بوجوهها الأبرز:

1 – هناك يتحرك الشعب، بمجموعه، كوحدة، ملتصقاً بالأرض كوحدة، حماية لانتمائه إليها وحقه غير المنازع فيها.

… وهنا نكاد نصبح، بفضل قياداتنا ورعايتها لشؤوننا، شعوباً بعدد الطوائف والمذاهب (المسلحة)، وتكاد أرضنا تفقد وحدتها بعدما مزقت “دولاً”، وبعدما افتقدت عنصر وحدتها الأساسي: وحدة انتماء الشعب الواحد إليها جميعاً… وكيف تبقى للأرض قيمتها – وطنياً – إذا كانت “شعوبها” متعددة الانتماءات، وأين الوطنية طالما استوطن “الجمهور” الأحزاب ، بالقهر أو بالقسر أو بتعذر البديل، لا فرق؟!

2 – هناك توحدت فئات الشعب جميعاً، الاجتماعية والطائفية،والحزبية السياسية والدينية، تحت لواء هدف نضالي واحد هو توكيد وحدة هوية الأرض والشعب، فالأرض فلسطينية لأن الشعب فلسطيني، والشعب فلسطيني لأن الأرض فلسطينية، والمحتل هو العدو لأنه عدو فلسطينية الأرض والشعب.

… أما هنا فالهوية ما زالت موضع خلاف ، فقد تكون الأرض عربية لكن مواطنيها غير عرب “بمعنى العربي العربي”، أو إن انتماءهم إلى وطنهم ناقص وغير مكتمل!

ثم قد تكون الأرض عربية والمواطنون عرب والهوية غربية، حضارياً، أو قد تكون الأرض عربية ويكون المواطنون عرب من حيث المبدأ، ولكنهم متعددو الانتماءات عملياً، بعضهم شرقي والبعض الآخر غربي وبعض ثالث محير أو مخلط وبين بين!

3 – هناك ينتفضون بإرادة واحدة لإعادة تطهير صورة وطن شطبه، بالمعنى السياسي، الاحتلال الإسرائيلي… وهم يؤكدون عبر الانتفاضة إن وحدة الأرض الوطن – أرضاً وشعباً – أقوى من الاحتلال وأبقى.

… وهنا يتصرف أمراء ورؤساء وملوك العرب في اوطانهم وبالبلاد وكأن الشعوب، وتحت قيادتهم ، أبقى من الوطن وأقوى، قد يذهب الوطن، أرضاً وشعباً، قد تذهب دولته (الحكم والحكومة) وتبقى الأحزاب ويبقى الأمراء… فالوطن هم، يبقى ببقائهم، فإذا مست امتيازاتهم “الغوه” ليستبقوها!

والوطن هنا يتحدد بموقع الحزب في الحكم، فإذا ما طرأ على الموقع أي تعديل، ومهما كان طفيفاً، صارت حتمية إعادة النظر في وجود الوطن أصلاً… فالبيك، وكلهم بيكوات، أهم من الوطن، هو حقيقة ملموسة والوطن خيال أو حلم أو وهم أو شيء من هذا وذاك!

وهنا جيّر كل “زعيم” انتفاضة قسم من الشعب لنفسه عبر إعلانها انتفاضة لمنطقته من بين المناطق، أو لحزبه من بين الأحزاب ، واقتطعها باسم الانتفاض لنفسه ولذريته من بعده، وأخرجها من السياق الطبيعي للعمل الوطني من أجل استعادة وحدة الأرض والشعب.

وهكذا صارت عندنا “انتفاضات” بعدد الأحزاب والحركات المسلحة، ولم يعد لنا وطن.

4 – هناك لا جيش لهم ولا قوات مسلحة ولا سلاح، غير الحجارة المباركة والعصي والمقاليع والزجاجات وإطارات المطاط، وغير ما تصطنعه إرادة المقاومة من أسلحة ووسائل صمود.

… وهنا يمنع قيام جيش وطني، ويجهر “الأمراء” بأنهم “طوبوا” الجيش لحركتهم ودمجوه بـ “قواتهم” فجعلوه مجرد ميليشيا حزبية تضاف إلى قائمة الميليشيات المسلحة التي تتناهش في ما بينها ما كان في الماضي مشروع وطن.

وهكذا تتحول مدافع “جيش الشعب” عن أهدافها المفترضة إلى مدن الشعب وقراه، تدكها دكاً، وإلى منازل المواطنين تهدمها على رؤوس أصحابها، مرة باسم الحفاظ على “الشرعية” كأنما الشعب غير شرعي، أو كأنما شرعية الحاكم أقدس من حياة الشعب، ومرة باسم الحفاظ على كرامة الجيش كأنما هذه الكرامة منفصلة أو متعارضة مع كرامة الشعب أو إنها تنبع من مصدر آخر!!

على إن ثمة أمراً عاجلاً يرجى التنبه إليه:

تعودنا أن ننسب أعمال الطيش والرعونة إلى “الصبية”، وكنا حين نريد شتم “زعمائنا” الأماجد نتهمهم بأنهم صبية،

لكم نحن مدينون بالاعتذار اليوم للصبية، بعض صناع الانتفاضة المباركة وبعض وقودها المقدس،

ولكم نحتاج، بدل زعاماتنا والقيادات والأمراء، إلى بعض هؤلاء الصبية الأبطال، الذين فهموا ما لم يفهمه هؤلاء العضاريط عن وحدة الأرض والشعب، وحدة الانتماء، وحدة الوطن، وحدة الهوية، وحدة الأمة، وبالتالي وحدة العدو حتى لو تعددت رؤوسه…… ومع الانتفاضة المباركة تحية إلى أحد القادة العظماء الذين وعوا هذه الحقيقة وقاتلوا حتى استشهدوا من أجلها، تحية إلى جمال عبد الناصر ،وياسر عرفات وبن بلا وبو مدين وجورج حبش هم الباقين أبداً في وجدان الثوار والمجاهدين والعاملين لتحرير الأرض والإنسان في أربع رياح هذا الوطن العربي الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى