مقال

اعرف عدوك

جريدة الأضواء

اعرف عدوك
محمود سعيد برغش
أن تواجه عدوا مجهولا حتى ولو كان ضعيفا، أصعب من أن تواجه عدوا معلوما ولو كان قويا، الأعداء في سيناء يختبئون في الكهوف، ويتخذون مغارات يخبئون فيها الأسلحة والذخائر، والمشكلة الأكبر أننا لم نفهم عدونا، وماذا يريد منا عدونا، نحتاج أن نفهم هذه النفسيات الصعبة المعقدة، التي تدور في رحى هتك أستار الوطن، لم نصل إلى الآن إلى أن نحسم هذه المعارك لأن هؤلاء يبيعون مصريتهم ووطنيتهم بفلس – للأسف الشديد – وهذا أخطر ما في القضية.
السياسة التي كانت معلنة هي: اعرف عدوك، عدوك يردي أن يأخذ منك معلومات، ذات مرة قلت لك: عندما نفهم السيرة النبوية الشريفة نستطيع أن نحل مشاكلنا فإن السيرة النبوية تساعدنا على حل هذه المشاكل، تحت منطق: “اعرف عدوك” ماذا يريد منك عدوك؟
في أوقات الأزمات يجب أن لا تعطي الامان لأحد، حتى لمن يأكلون معك في طبق واحد؛ في العام الثامن الهجري كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد لفتح مكة، وهذا كان حدثا كبيرا، غير جغرافية العالم كله، ففوجئ النبي صلى الله عليه وسلم أن أحد الصحابة الكبار وهو حاطب بن أبي بلتعة، كتب رسالة إلى أهل مكة ذكر فيها الأسرار العسكرية لأهل مكة، ولذلك أقول لك: لا تعطي الأمان لأحد، ولم تكن نية حاطب بن أبي بلتعة سيئة، ولكنه لم يكن يعرف أن هذا الأمر سيكون خطرا على المسلمين.
ذكر حاطب رضي الله عنه في خطابه كل الاستعدادات التي نفذها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكان قد أرسل هذا الخطاب مع ظعينة، وأتى رسول الله ﷺ الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث على بن أبى طالب والزبير بن العوام، فقال: “أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبى بلتعة بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم”.
فخرجا حتى أدركاها بالحليفة، حليفة بنى أبى أحمد فاستنزلاها، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا فيه شيئا.
فقال لها علي: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله ﷺ ولا كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك.
فلما رأت الجد منه قالت: أعرض، فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه.
فأتى به رسول الله ﷺ، فدعا رسول الله ﷺ حاطبا، فقال: “يا حاطب ما حملك على هذا؟”.
فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت، ولكنن كنت امرءا ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لى بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق.
فقال رسول الله ﷺ: “وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر؟ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”.
وأنزل الله في حاطب: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ… ” [أول سورة الممتحنة] إلى آخر القصة.
وفي رواية: فقال: “يا حاطب ما هذا؟” فقال: يا رسول الله لا تعجل على، إني كنت امرءا ملصقا في قريش – يقول: كنت حليفا – ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
ولو أن هذه الرسالة قد وصلت إلى أهل مكة لفسدت كل الترتيبات لفتح مكة، ولم تفتح مكة، وستخرج قريش وتعدّ عدّتها ومعها الأحزاب والعرب ويواجهون النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج.
انظر.! رسالة تضيع دولة، وتضيع مستقبل أمة! اليوم نقل الأسرار لا يحتاج إلى ظعينة تستغرق أياما حتى تصل، ولكن نقل الأسرار يحدث في ثوان معدودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى