مقال

فى طريق المعرفه ومع العادة والعبادة ” الجزء التاسع

فى طريق المعرفه ومع العادة والعبادة ” الجزء التاسع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع العادة والعبادة، فالمؤمن يتصل بربه عز وجل من غير وسيط ولا وسطاء وحرر الإسلام أيضا العبادة من قيد المكان، فكل مكان صالح للعبادة وللتوجه إلى الله عز وجل، فحيث ما كان الإنسان في البر، أو في الهواء، أو في أعماق الماء، يستطيع أن يتصل بربه سبحانه فقال صلى الله عليه وسلم “وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” وكما أن الإسلام أيضا وسع من مفهوم العبادة، فليست العبادة فقط صلاة وصياما، بل كل عمل مفيد نافع مباح مشروع، يعود على الفرد، أو على الجماعة بالخير، إذا فعله المسلم بنية التقرب إلى الله عز وجل، والامتثال لأمره، فله ثواب المتعبدين، وله ثواب الطائعين، حتى العرض الدنيوى، والمتع الطبيعية، من أكل، أو شرب، أو نوم، أو نزهة بريئة، إذا قصد المؤمن بها أن يتقوى على طاعة الله، وعلى القيام بواجباته الدينية والدنيوية، إذا قصد بها أن يكون المؤمن القوي الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”

 

فإذا قصد بهذه المتع أن يعف عن المحرمات، وعن الانحرافات، سواء في نفسه، أو في أهله، أو في ولده، فهو في عبادة، ومن هنا ندرك أن الإنسان لم يحرم على المسلم متع الحياة، وإنما أراد منه أن يسلك فيها الطرق المشروعة، التي لا عدوان فيها، أو تجاوز على حقوق الآخرين، أو على حدود الفضيلة، أو على مصالح المجتمع، فالمسلم يتناول حظوظه، وهو مراقب لله عز وجل، وهذه الحظوظ وسيلة للآخرة، وليست هدفا في الدنيا، وإنما يحقق قوله تعالى كما جاء فى سورة القصص ” وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة” ومن هنا عبر الفقهاء، وقالوا “إن النية الصالحة تجعل من العادة عبادة” أي تجعل من الأعمال الطبيعية العادية، ومن الحظوظ الدنيوية، عبادة من العبادات، ولهذا قال رسولنا صلى الله عليه وسلم “وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك” أي حتى ما تنفقه على نفسك وأهلك وولدك وزوجك إذا نويت بذلك أن تعفهم عن الحاجة وعن الحرام وعن الانحراف “فإن لك بذلك صدقة”

 

وهذا من يسر الإسلام وعظمته، حتى جعل الأكل والشرب والنوم، عبادة من العبادات، إذا اقترنت هذه الأفعال بالنية الصالحة، وقد يقول قائل ما أهمية هذه النية؟ فأهميتها أن الإنسان بهذه النية دائم المراقبة لله عز وجل، فيكون معصوما من الانزلاق، في الانحرافات، بينما من يتمتع باللذائذ، ومتع الحياة، بدون نية التقرب إلى الله عز وجل، تكون متعه سبيلا للانزلاق في المحرمات وفي المكاره، ولهذا نجد أن المؤمن الصادق الصالح، كل حركة من حركاته، وكل عمل من أعماله، فهو في طاعة، وهو في عبادة، ونذكر في هذا قول الله عز وجل كما جاء فى سورة محمد ” والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم” وإن عملية الأكل واحدة، ولكن المؤمن حينما يكون قاصدا النية الصالحة، فإن يبتعد عن الانزلاق، وعن الانحراف، وهو متحقق بالمراقبة لله عز وجل في كل عمل من أعماله، وفي كل سلوك من صفاته، بينما غير المؤمن، أو المتساهل في أمر النية، فإنه يفقد أجرا عظيما، وثوابا كبيرا، هذا إذا كان مع الإيمان.

 

أما بدون الإيمان، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الفرقان” وقدمنا إلى عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا” وإذا كان الإسلام قد وسع من مفهوم العبادة، حتى جعل الأعمال العادية، والحظوظ الدنيوية، والمتع الشهوانية، جعلها عبادة من العبادات، ولكن هذا لا يغني أبدا عن المراكز الأساسية للعبادة التي اعتبرها الإسلام أركانا أساسية، ألا، وهي الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وأن هذه الأركان الأربعة، بعد ركن الشهادتين، لا بد منها، ولا بد من التقيد بها لأنها دليل على إيمان المؤمن، وما يزعمه بعض الجاحدين بأن الدين في القلب، وفي العمل، ولا حاجة للصوم، ولا للصلاة، ولا لهذه الفرائض، طالما تعامل الإنسان مع الآخرين تعاملا سليما صحيحا، وهذا قول قصد به القضاء على القيم، وعلى الدين من أساسه، ولو صح هذا القول لجاز لكل ملحد مضلل، ضال، مخرب أن يدعي أنه من أول المتعبدين، فلا بد من هذه الأركان، ولا يغني عنها شيئا لأن هذه الأركان وسيلة لتحقيق الأهداف الصحيحة في السلوك والمعاملة.

 

أليس الله عز وجل يقول كما جاء فى سورة العنكبوت” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” والرسول صلى الله عليه وسلم يقول “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء لم يزدد من الله إلا بعدا” أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وأيضا الزكاة قال تعالى فى سورة التوبة ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” وأيضا الصوم يقول الله تعالى فى سورة البقرة ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” وأيضا الحج يقول الله تعالى فى سورة الحج “ ليشهدوا منافع لهم” ويقول شيخ الإسلام ابن عُثيمين رحمه الله والنية نيتان، فالأولى هى نية العمل، ويتكلم عليها الفقهاء رحمهم الله أنها هي المصححة للعمل، والثانية هى نية المعمول له، وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد، وأرباب السلوك لأنها تتعلق بالإخلاص، ومثال هو عند إرادة الإنسان الغسل ينوي الغسل، فهذه نية العمل، لكن إذا نوى الغسل تقربا إلى الله تعالى وطاعة له، فهذه نية المعمول له أى قصد وجهه سبحانه وتعالى وهذه الأخيرة هي التي نغفل عنها كثيرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى