مقال

محرر المرأة.. محمد صلوات الله عليه…

محرر المرأة.. محمد صلوات الله عليه…

 

بقلم دكتور/مصطفى النجار

 

وضعت له إثنى عشر بنتا بعد حمل ومعناة، دفنهم الزوج الظلوم أحياء، فلما وضعت الثالثة عشر، أخفتها عند آخرين، وأذاعت أنها ماتت عند وضعها، خوفا من وأدها، فعلم الأب الأثيم بذلك بعد حين، فأخذ طفلتة البريئة دفنها حيه دون مراعاة لبكائها وتضرعها، ألا ساء ما صنع الوغد الأثيم، لقد تأملت تلك الجريمة الشنيعة، وشعرت بالحزن والخزى لذلك العدوان الوحشى على البرأة، كيف يوجد على الأرض وحوش بشرية على هذا النحو؟ أين عقل هذا حين يحفر لها؟ أين قلبه من بكاءها وتضرعها؟ ، ألم يرى دموعها؟ ألم يسمع بكائها وتضرعها؟ بل كيف أهال عليها التراب ذالك الوغد الغادر حية تبكى وتتوسل؟ ، ألا ساء ما صنع ، إن الأنعام أرحم قلبا وأرق وشعورا وأنبل خلقا من هذا الرجيم، والذى قص ما أقترفه على النبى بعد إسلامه، فسالت مآقى النبوة دمعا سخينا قال “من لا يرحم لا يرحم” والتفت إليه قال “إن لك يوم سيئا” قال ماذا أفعل لأكفر عن ذنوبى قال النبى “حرر من العبيد عدد ما وأدت”.

 

لقد جاء محمد وتصورات العرب عن المرأة بالغة السوء حالكة السواد، يسود لها وجه من يبشر بالأنثى، يتوارى من القوم كمن أصابه برص أوجزام ، يخير نفسه بتجرع الهوان إن ترك أنثاه على قيد الحياة، أو يتوحش فيدفن براءتها تحت التراب، أى شيطان أوحى لهؤلاء بتلك التصورات والمفاهيم الرديئة عن المرأة، والتى كانت وبالا على طفولتها البريئة، وعلى وضعها الإجتماعى إن أفلتت وظلت على قيد الحياة.

ولم تكن المرأة فى الحضارة الرومانية واليونانية بأفضل من العرب ، بل كانت أكثر بؤسا وأشد تنكيلا، فكان فلاسفتهم يعتبرونها كائن الدنس والهوان، وغالبا ما يقرنوا حديثهم عن المرأة بالحديث عن الأطفال والحمقى والمجانين، حتى أن أفلاطون جعلها آخر طبقات المجتمع فى مدينته الفاضلة المزعومة، فأى فضل وفضيلة لمجتمع يكون تصوره للمرأة التى أنجبته وربته على هذا النحو الوضيع ، وأثمرت تلك التصورات مرارات تجرعتها المرأة عبر العصور والحضارات حتى جاء النبى النبيل.

لقد جاء محمد صل الله عليه وسلم برسالته الرحيمة وقيمه النبيلة ليلتقط المرأة من هذا المستنقع الأسن وذاك السفح السحيق ظلم الرومان واليونان ووحشية العرب ليرتقى بها لقمم السمو ورحاب الحرية ، فحررها من أغلال الوأد وقيوده ليمنحها حق الحياة طفلة، ورسم لها فى القلوب والأفئدة تصورا يفيض وقارا واحتراما، فجعل الجنة تحت أقدامها أما ، وجعل إكرامهما معيارا لكرامة الرجل وإهناتها دليلا على لؤمه وخبثه “ما أكرمهن إلا كريم و ما أهانهن إلا لئيم” بل جعل دخول الجنة لأبيها (الرجل) رهنا بحسن تربيتة لها وعدم وأدها أوإهانتها وعدله معها بمساواتها مع ولده فى الحقوق، وبدأ النبى النبيل يمحوا معالم وتصورات الجاهلية الظالمة عنها، قال صلى الله عليه “من ولدت له إبنة فلم يوئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها “الذكر” أدخله الله بها الجنة”.

 

لقد كانت بعثة محمد صل الله عليه وسلم إيذانا بتحرير المرأة، وثورة على وأدها وإهانتها والتمييز ضدها، ثورة أرست مساواتها مع الرجل فى الحقوق والواجبات مع مراعاة قدراتها ووضعها فى المكانة اللائقة بها، ثورة حددت العلاقات والأدوار والمهام وجعلت النساء شقائق للرجال، ثورة جعلتها ملكة متوجة وجوهرة مصونة، فى الوقت الذى كانت فيه المرأة فى سائر الأرض مهيضة الجانب كسيرة الجناح ، وما حركات تحرير المرأة الأروبية بداية القرن الثامن عشر والتاسع عشر إلا آثر من آثار حضارتنا فى الأندلس يوم أن كان لنا هناك حضارة ومنارة، فهل تحفظ نساء الشرق الجميل لمحررها صلوات الله عليه، فتكون وفية لقيمه فخورة بالانتساب إليه، تدافع عن رسالته، تغرس حبة فى قلوب أطفالها، ذلك شرف نتمناه لها، وقمة سامية تليق بها.

وكل عام وأنتم بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى