مقال

العبادة والإستقامة ” جزء 2″

العبادة والإستقامة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع العبادة والإستقامة، فإن الإسلام معناه، هو الاستسلام والخضوع والانقياد لأوامر الله تبارك وتعالى، فهو الانقياد الظاهري وأما الإيمان فمعناه، هو التصديق بالقلب، فهو الانقياد الباطني، فخص الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال القلبية التي لا يطلع عليها إلا الله، فنحن نرى أن أعمال الإسلام كلها ظاهرة، وتؤدى وتحس بإحدى الحواس الخمسة، كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها وأما أعمال الإيمان فكلها أعمال اعتقادية قلبية لا يطلع عليها إلا الله عز وجل كالإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر بما فيه من حساب وصراط وميزان وجنة ونار وغير ذلك، لذلك قيد الله الإيمان بأنه لا يكون إلا بالغيب.

 

فالعبد بنطقه الشهادتين يكون مسلما أمام الجميع، وأما دخول الإيمان قلبه فلا يعلم به إلا الله، فقد يكون مسلما ومع ذلك هو منافق معلوم النفاق، كعادة المنافقين في عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فنحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر، وبهذا المبدأ كان يتعامل به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع المنافقين، ونخلص من ذلك أن الإيمان لا يكون إلا الغيب، والإسلام يكون بالاستسلام الظاهري، هذا إذا اجتمعا، أما إذا افترقا فكل منهما يحمل معنى الآخر ضمنا، ولذلك يقول العلماء في الإسلام والإيمان، إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا‏، فكلاهما ينوب عن الآخر ويقوم مقامه إذا ذكر وحده، فإذا قيل هذا الشخص مؤمن فمعناه أنه مسلم، وإذا قيل مسلم فمعناه أنه مؤمن.

 

وهذا معنى إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، أي إذا ذكرا معا فإن لكل منهما معناه الخاص، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فإنه يتضمن الآخر غير المذكور، وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى، فبينهما عموم وخصوص، فالإسلام أعم والإيمان أخص، فكل مؤمن مسلم ولا عكس، ومثله الفقير والمسكين، فإذا ذكر أحدهما يحمل معنى الآخر، فتقول، أقوم بتوزيع هذا المال على الفقراء، أو أقوم بتوزيع هذا المال على المساكين، وكذلك يزداد الإيمان من حيث القول، فإن من ذكر الله عشر مرات، ليس كمن ذكر الله مئة مرة، فالثاني أزيد بكثير، وكذلك أيضا من أتى بالعبادة على وجه كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص، فلو صلينا الظهر مثلا، فإن الدرجة التي يحصل عليهاز

 

كل واحد منا تختلف عن الآخر تماما، وهذا راجع إلى خشية العبد وتقواه لربه، والنسبة المئوية تختلف من شخص لآخر، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، يصور ذلك فيقول “إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها” رواه أحمد، والإيمان الحقيقي إذا لامس شغاف القلب وتمكن من مجامع النفس انعكست آثاره القوية على الروح والعقل، وعلى الفرد والمجتمع، فمن ثمراته أنه يورث العبد حسن الخلق لأن الإيمان والأمانة صنوان، لا يفترقان حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له” كما أن الإيمان والحياء قرينان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”

 

والإيمان والصدق متلازمان، فعن صفوان بن سليم، رضي الله عنه، أنه قال، قيل يا رسول الله ” أيكون المؤمن جبانا؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلا ؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذابا ؟ فقال لا ” ولقد عرف بعضهم الإيمان بالصدق، فقال الإيمان الحقيقي هو أن تقول الصدق مع ظنك أن الصدق قد يضرك، وأن لا تقول الكذب مع ظنك أن الكذب قد ينفعك، فإن وجدت أخلاقا كريمة، فهي نتاج إيمان صحيح، فالمؤمن لا يتكلم إلا بالقول الطيب الذي يُصلح ولا يفسد، يبني ولا يهدم، يُعمر ولا يُخرب، لأن ديننا الحنيف دين الأخلاق، والإصلاح والبناء، والتعمير، فمن زاد عليك في ذلك فقد زاد عليك في الدين ومن ثمرات الإيمان، هو السكينة والطمأنينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى