مقال

الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 9″

الثأر والقصاص في ميزان الحق ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع الثأر والقصاص في ميزان الحق، ويعد الكفن هو البطل فى إنهاء سلسة الانتقام الثأرى بين أى عائليتن، والتى تنتهى بتقديم أسرة القاتل لأهل القتيل لإنهاء الخلافات الثأرية وبحور الدم، من خلال جلسة صلح عرفية يحضرها شيوخ وكبار القبائل فى المنطقة، ويتم بحضور أمنى، وذلك للاستشهاد على عملية الصلح وإنهاء الخصومة الثأرية، ولقد تعاقب على تاريخ الصراعات القبلية في مصر أربعة مذاهب للصلح في قضايا الثأر، ومنها مذهب العبابدة، وهي نسبة إلى قبائل العبابدة الذين قاموا بتأسيسها، وهو مذهب يجبر القاتل على حمل القودة، وهو عاري وملفوف بالكفن وحافي القدمين وحليق شعر الرأس ومجرور من رقبته.

 

وكان لهذا المذهب شيوع في صعيد مصر من الأربعينيات حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، وكان ذلك قاسي ولا يراعى الوضع الإنساني للقاتل بل يجبره على السير لمسافة ثلاثة كيلو مترات مشيا على الأقدام، حتى يصل لديوان بيت القتيل، كما يجبر القاتل على التخلي عن قبيلته والانضمام لقبيلة القتيل، لتسببه فى إخلاء القبيلة من ولدها، لذلك عليه أن يملأ فراغ القتيل بل ويجبرونه على الزواج منهم ويعطونه ما يتعايش منه، ويصبح ملكهم، إذا مات يدفن في مقابرهم، ويقيمون له سرادق عزاء، بل إذا قٌتل يؤخذ بثأره، وأما عن المذهب الثاني فهو مذهب إقليم إدفو بأسوان وبعض قرى قنا الجنوبية، وهو مذهب يجبر القاتل على ارتداء الجلباب الأسود القصير.

 

ويكون فوق الركبة، ويكون حافي القدمين، وحليق الرأس، ومجرور من الرقبة، ولكن هذا المذهب لا يوجد فيه زواج للقاتل من أهل القتيل، نظرا لأن هذا المذهب طبق في أماكن لقبائل لا تسمح لبناتها بالزواج من غريب، ولكن يوجد فيه إقامة للقاتل عند أهل القتيل، ولكن دون اختلاط بهم، وأما المذهب الثالث، وهو مذهب الأسرة الدندراوية وهو الذي أرساه الأمير العباس الدندراوى في قرية دندرة بقنا، وهو أن يجبر القاتل على تقديم القودة وهو مرتدي الجلباب الأسود المقلوب، ومجرور من رقبته، وحافي القدمين، وهذا المذهب يقوم باستعدال الجلباب الأسود للقاتل حين يقف أمام أهل القتيل، وفلسفة هذا المذهب تقوم على أساس أن استعدال الجلباب للقاتل نوع من استعدال هيئته وحاله من الممات.

 

الذي كان ينتظره إلى الحياة والبقاء في الدنيا، وأما عن المذهب الرابع، والتي تلقى تأييد من الأمن، فهو يعتمد على شقين، فالشق الأول وهو الأخذ بأسلوب البساطة الذي يؤدى لاحترام أدمية الإنسان، بمعنى أن يؤخذ القاتل بجلبابه العادي وإلغاء لف الكفن وتبديله بكتابة اسم القاتل وتاريخ الصلح وإعطائه لأهل القتيل ليكون ذكرى وتخفيفا عن تجرع الحزن على قتيلهم، مع إلغاء جر الرقبة لأنه يجعل الإنسان قريبا من الحيوان، وقد تغير الأمر طبقا للمذهب الرابع من جر الرقبة إلى أن يقوم اثنان من هيئة الصلح بإمساكه من ذراعيه وتسليمه إلى أهالي القتيل، وهذا يعتبر رضوخا للمعنى اللغوي للقودة الذي أتى من معنى قاد إليك القاتل فهب له الحياة أو هب له الموت، وغالبا تسليم القاتل يكون على أيدي الشرطة.

 

مع إلغاء أن يكون القاتل حليق الرأس، وإنما يكفى القاتل أن يكون بلا عمة أو غطاء للرأس، لأن الحكمة الحقيقية للقودة أن يكون القاتل شبيها بإنسان ميت يريد أن يقبر في قبر، وأن يلبس القاتل حذاء خفيفا مع تبديل مسافة الثلاثة كيلو مترات التي كان يُجبر القاتل على السير بها إلى مسافة أمتار قليلة مع جعل هيئة القودة التي كانت صامتة إلى قودة تكون مقبولة ومسموعة وترضى ولى الدم، وأن يردد القاتل هذه الكلمات لولى الدم، وهى أنا جئت إليك وأطلب منك الصفح والعفو عما بدر منى، ثم يرد عليه ولى الدم، ومن أجل الله ورسوله والمؤمنين والحضور الطيب عفوت عنك، وأن العائلة بجميع أفرادها مسؤولة عن الأخذ بالثأر، وبالطبع يلزم هذا العرف القاسي وجود السلاح الذي يعتبر في منزلة الولد عند الصعيدي أو عند بعض العائلات والمجتمعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى