مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الفضيل بن عياض ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الفضيل بن عياض ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام الفضيل بن عياض، وقال أبو بكر المقاريضي، سمعت بشر بن الحارث يقول عشرة ممن كانوا يأكلون الحلال، لا يدخلون بطونهم إلا حلالا ولو استفوا التراب والرماد، قلت من هم يا أبا نصر؟ قال سفيان وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وابنه، وسليمان الخواص ويوسف بن أسباط، وأبو معاوية نجيح الخادم، وحذيفة المرعشي وداود الطائي ووهيب بن الورد، وقال إبراهيم بن الأشعث ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من يحضره وكان دائم الحزن شديد الفكرة، ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه وعمله وأخذه وعطائه ومنعه وبذله، وبغضه وحبه وخصاله كلها غيره، كنا إذا خرجنا معه في جنازة.

 

لا يزال يعظ ويذكر ويبكي كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة حتى يبلغ المقابر، فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها، وقال عبد الصمد بن يزيد مردويه سمعت الفضيل يقول لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق، وطلب الحلال، فقال ابنه علي يا أبة إن الحلال عزيز، قال يا بني وإن قليله عند الله كثير، وقال سري بن المغلس سمعت الفضيل يقول من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد، وقال فيض بن إسحاق سمعت الفضيل بن عياض وسأله عبد الله بن مالك يا أبا علي ما الخلاص مما نحن فيه ؟ قال أخبرني من أطاع الله هل تضره معصية أحد ؟ قال لا، قال فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد ؟ قال لا، قال هو الخلاص إن أردت الخلاص.

 

وقال إبراهيم بن الأشعث سمعت الفضيل يقول رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة، من عمل، بما علم استغنى عما لا يعلم ومن عمل بما علم وفقه الله لما لا يعلم، ومن ساء خلقه شان دينه وحسبه ومروءته، وسمعته يقول أكذب الناس العائد في ذنبه، وأجهل الناس المدل بحسناته وأعلم الناس بالله أخوفهم منه لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه، وقال محمد بن عبدويه سمعت الفضيل يقول ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما، قال سلم بن عبد الله الخراساني سمعت الفضيل يقول إنما أمس مثل واليوم عمل، وغدا أمل، وقال فيض بن إسحاق، قال الفضيل والله ما يحل لك أن تؤذي كلبا ولا خنزيرا بغير حق.

 

فكيف تؤذي مسلما، وعن فضيل لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه، وعنه بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله، وعن الفضل بن الربيع قال حج أمير المؤمنين هارون الرشيد فقال لي ويحك قد حك في نفسي شيء، فانظر لي رجلا أسأله، فقلت هاهنا سفيان بن عيينة، فقال امض بنا إليه، فأتيناه فقرعت بابه فقال من ذا ؟ فقلت أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك، فقال خذ لما جئتك له، فحدثه ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم فقال لي اقض دينه فلما خرجنا قال ما أغنى عني صاحبك شيئا، قلت هاهنا عبد الرزاق، قال امض بنا إليه فأتيناه، فقرعت الباب فخرج وحادثه ساعة، ثم قال عليك دين؟ قال نعم، قال أبا عباس اقض دينه، فلما خرجنا قال ما أغنى عني صاحبك شيئا.

 

انظر لي رجلا أسأله، قلت هاهنا الفضيل بن عياض قال امض بنا إليه فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي يتلو آية يرددها، فقال اقرع الباب فقرعت، فقال من هذا ؟ قلت أجب أمير المؤمنين قال مالي ولأمير المؤمنين ؟ قلت سبحان الله أما عليك طاعة، فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية، فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه فقال يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله، فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي، فقال له خذ لما جئناك له رحمك الله فقال إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي، فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فقال له سالم إن أردت النجاة فصم الدنيا وليكن إفطارك منها الموت.

 

وقال له ابن كعب إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا وأوسطهم أخا وأصغرهم ولدا فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك، وقال له رجاء إن أردت النجاة من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت وإني أقول لك هذا وإني أخاف عليك أشد الخوف يوما تزل فيه الأقدام، فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا، فبكى بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له ارفق بأمير المؤمنين، فقال يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ؟ ثم أفاق فقال له زدني رحمك الله، قلت بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكي إليه، فكتب إليه يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى