مقال

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المزارع المجد ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقد جعل الله تعالي الأجر العظيم للمزارع الذي يزرع فيأكل من مزرعته الطير أو البهيمة أو الإنسان، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فعن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة” وفي هذا الحديث بيان فضل الزراعة، والعمل بالحرث وفيه الحض على عمارة الأرض ليعيش الإنسان بنفسه، أو من يأتي بعده ممن يؤجر فيه، واعلموا أن تكبر الإنسان وطغيانه، بسبب النعمة، ونسيان المنعم، ومنع حق الفقير، قد يكون سببا في محق البركة وعقوبة الله تعالى كما في قصة أصحاب الجنة، حيث اغتروا حين زهت ثمار جنتهم وأينعت أشجارها، وحان وقت صرامها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، وأنه لا يمنعهم مانع منها، ولهذا أقسموا.

 

وحلفوا من غير استثناء أنهم سيجذونها في الصباح الباكر، وسيمنعون الفقراء والمساكين من دخولها، ولا يعطونهم حقهم منها، ولم يعلموا أن الله بالمرصاد، وأن العذاب سيخلفهم عليها ويبادرهم إليها حيث نزل العذاب ليلا على بستانهم وأبيدت أشجارهم وثمارهم، وهم لا يشعرون بهذا الواقع المؤلم، ولذلك تنادوا فيما بينهم لما أصبحوا، كما جاء في سورة القلم ” أن اغدوا علي حرثكم إن كنتم صارمين” فانطلقوا قاصدين لها وهم يتخافتون فيما بينهم بمنعِ حق الله، وبكروا قبل انتشار الناس وتواصوا بمنع الفقراء والمساكين، فلما وصلوا بستانهم، ورأوا ما حل به من الدمار ظنوا أنهم تائهون عن بستانهم، فلما تحققوا ورجعت إليهم عقولهم قالوا “بل نحن محرومون” وعرفوا حينئذ أنها عقوبة لهم، فقال أعدلهم وأحسنهم “ألم أقل لكم لولا تسبّحون” فاستدركوا بعد ذلك، ولكن بعد وقوع العذاب على جنتهم وزروعهم وثمارهم، فقالوا “سبحان ربنا إنا كنا ظالمين”

 

وندموا ندامة عظيمة، وتلاوموا فيما بينهم واعترفوا بذنبهم، ورجوا الله أن يبدلهم خيرا منها، وفي أوائل سورة البقرة أثنى الله تعالى على المؤمنين بإيمانهم وعملهم الصالح، ثم وصفهم بالفلاح فقال سبحانه وتعالي ” أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون” وفي أواخر سورة الحج يأمر الله عباده المؤمنين بفعل الخير حتى يكونوا من المفلحين، وفعل الخير كلمة جامعة لكل عمل صالح، فيقول تعالى ” يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” وفي أول سورة المؤمنون يقول تعالى ” قد أفلح المؤمنون” ثم يذكر سبحانه وتعالي جملة من صفاتهم التي بسببها أفلحوا، وهي الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها، والإعراض عن اللغو، وأداء الزكاة، وحفظ الفروج، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهود، ومن دلائل فلاحهم أن الله تعالى بعد أن ذكر صفاتهم وأعمالهم قال.

 

” أولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون” وإن الصلاة هي باب عظيم للفلاح كما دلت عليه الآيات والأحاديث الكثيرة، وهي بوابة البشرى بالفلاح في الآخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر” رواه الترمذي، ولذا فلا عجب أن ينادى للصلاة بالفلاح فيقول المؤذن في النداء والإقامة حي على الفلاح، وكما أن التوبة هي طريق الفلاح، فعلى المؤمن أن يلزمها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة” رواه ابن ماجه، ويقول تعالي في سورة النور ” وتوبوا إلي الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون” وإن التوبة باب للفلاح إذا قرنت بالإيمان والعمل الصالح، حيث قال تعالى في سورة القصص ” فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسي أن يكون من المفلحين”

 

وعسى ولعل من الله تعالى إيجاب وتحقيق لأن الأمر كله لله، أي إن الفلاح واقع متحقق لمن آمن وعمل صالحا، وكما أن الدخول في الإسلام بكلمة التوحيد هي طريق الفلاح، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور في أسواق المشركين وهو يقول “يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا” والتقوى هي سبيل الفلاح، وهي تجمع بين الإيمان والعمل، فقال تعالى ” واتقوا الله لعلكم تفلحون” وقد جاء في القرآن الأمر صريحا بالتقوى لنيل الفلاح أربع مرات، وصلاح القلب، وتزكية النفس لا تكون إلا بالأعمال الصالحة، وذلك سبب للفلاح، حيث قال تعالي ” قل أفلح من تزكي” وفي الآية الأخرى يقول تعالي ” قد أفلح من زكاها” وأن الزراعة عملا مهما يحتاجه كل الناس، يحتاجه المدرس، والطبيب، والمهندس، بل والعالم، وكل فرد من أفراد المجتمع، وأي منا لا يحتاج إلى الطعام؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى