مقال

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الأمة التي لا تملك لقمتها لا تملك عزتها، وتعد الزراعة من المهن اللازمة لحياة البشرية، والتي لا تحيا بدونها، وقد ورد في القرآن الكريم بعض الآيات التي تلفت انتباه الناس إلى ذلك، وجاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحث المسلمين على الزراعة وبيان منافعها، فلقد حث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على الغرس والزراعة حتى في اشد المواقف واصعبها فقال” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل” رواه أحمد، وقد جعل الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه من الاجر والثواب للمزارعين ما لا يعلمه الا الله فقال “ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو انسان إلا كان له به صدقة” رواه البخاري ومسلم.

 

وقال عليه الصلاة والسلام “سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته، من علم علما، او كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، او ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته” رواه البزار وابو نعيم، وكما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترك الأرض بورا من غير زرع، فقال “من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه” رواه البخاري، ومسلم، وقال الله تعالى “مايفتح الله من رحمة فلا ممسك لها ومايمسك فلا مرسل له من بعده” وقال تعالى ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله” وأن جميع الصنائع فرض على الكفاية، لكن بعضها آكد من بعض، فإذا فعل المكلف شيئا منها فينبغي أن تكون نيته فيه أن يقوم عن نفسه، وعن إخوانه المسلمين بنية فرض الكفاية ليسقط عنهم فرض ذلك.

 

فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم “الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه” وإن من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده هي نعمة الأرض التي فرشها الخالق بين أيديهم وجعلها قرارا، وأجرى في مناكبها عيونا وانهارا، فأنبتت زروعا وثمارا، بعد أن أرسل الله السماء مدرارا، ومن المعلوم أن الله الحكيم الذي جلت حكمته، لم يخلق الإنسان على وجهه هذه البسيطة عبثا، وإنما خلقه وفضله على كثير من خلقه، ليقوم برسالة سامية في هذه الحياة، فقد استخلفه في الأرض وكرمه بالعقل، وحمله مسؤولية عمارة الأرض والحفاظ على خيراته ا، واستثمار غلاتها، بعد أن زوده بطاقات روحية، ومؤهلات فكرية، وخلق له هذه الأرض ذلولا سهلة ليتمكن من السيطرة عليها، وتسخيرها لخدمته، وقد اقتضت حكمة الله البالغة أن يعيش الإنسان على هذه الأرض ويستقر في ربوعها وأرجائها إلى حين.

 

كما قال تعالى في سورة البقرة “ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين” ولايمكن للإنسان الذي شرفه الله باستخلافه في الأرض، وحمله مسؤولية عمارتها أن يعيش فوقها إلا إذا قام بهذه الرسالة السامية، وذلك بالعمل المتواصل على استخراج كنوزها وخيراتها واستغلال مكنوناتها، وهذا لايتأتى له إلا بواسطة زراعتها وغرسها بجد ونشاط دائمين لعله يقوم بالأمانة الثقيلة التي حملها، وهي المشي والسعي في ارجاء الأرض بحثا عن الرزق الذي ضمنه الخالق عز وجل للمشتغلين ا لعاملين السالكين منها سبلا فجاجا، وإن الزراعة من أعظم الأسباب وأكثرها أجرا، لأن خيرها متعدد للزراع ولإخوانه المسلمين وغيرهم من الطيور والبهائم والحشرات، وهي من اكبر الكنوز المخفيات في الأرض، لكنها تحتاج إلى معرفة الفقه وحسن المحاولة في الصناعة مع النصح التام والإخلاص فيها، فحينئذ تحصل الخيرات وتأتي البركات.

 

وقد ورد أن من غرس غرسا لايأكل منه إنسان ولابهيمة إلا كان له صدقة، وورد ايضا “أن الملائكة تستغفر للزراع والغارس مادام زرعه أخضر” وإذا كان كذلك فمن أراد أن يشتغل بهذه الصناعة فإنه يتعين عليه تعلم مايتعلق بها من الأحكام إن كان أهلا للتعلم، وإلا فليسأل العلماء عما يحتاج إليه والذي ينبني عليه الأمر هو تقوى الله، وقيل إن الهمم قد تقاصرت في العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، فعليكم بالزراعة فإنها تحصل الأجور الكثيرة أرادها أو لم يردها، وهذا يبين أن كثيرا ممن هو مشتغل بهذه الصناعة مع نيته الصالحة يقال فيه أنه وجد كنزا، ولهذا المعنى كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قد انقسموا في تسببهم على قسمين، فمنهم من كان يعمل في الحائط والبساتين، ومنهم من كان يعمل في الأسواق وكلاهما حسن، لكن الزراعة لمن يحسنها أولى وأفصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى