مقال

الدكروري يكتب عن مكانة الضغينة في القلوب

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مكانة الضغينة في القلوب

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد بلغ رجل من الصحابة الكرام منزلة أن يبشر بالجنة وهو يعيش في الدنيا بين الناس بسبب سلامة صدره، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه وهو ماء الوضوء الماء ينزل من اللحية من أثر الوضوء قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك يعني يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى وقيل ثلاثة أيام متتالية النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم عن هذا الرجل المبشر بالجنة، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمر بن العاص أى تبع الرجل، فقال للرجل إني لاحيت أبي أى أنا خاصمت أبي، فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا أى ثلاثة أيام.

 

فإن رأيت أن تؤويني إليك أى يعني هذه الثلاث حتى تمضي الثلاث هذه، فعلت، قال الرجل نعم، مستعد أن آويك في بيتي، قال أنس راوي الحديث وكان عبد الله بن عمرو يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار أى يعني استيقظ أثناء الليل وتقلب على فراشة ذكر الله عز وجل وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ما رأيت زيادة صلاة ولا قيام ليل، ما رأيت شيئا إلا إذا استيقظ من الليل ذكر الله، ما سمعت منه إلا ألفاظ خير فقط، ما في ميزة أخرى فلما مضت الثلاث الليال وهو ينام عنده كل ليله يرقب أحواله، كل ليلة عندهم في البيت، قال فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله، قلت يا عبد الله أى هى مصارحة، يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر أى ترى لا أنا خاصمت أبي ولا لاحيت أبي، ما في هجر بيني وبين أبي، إما أن يكون عبد الله بن عمرو استخدم التورية.

 

أو أنه كذب لمصلحة تعلم شيء والكذبة ليس فيها ضرر على أحد، المهم لها تخريج العملية، قال يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ما هناك غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار “يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة” فطلعت أنت الثلاث المرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل وهنا الصراحة أى ما رأيت منك شئيا زيادة، فما الذي بلغ بك مقالة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الرجل، وقيل هو سعد بن مالك الأنصاري في رواية في سندها ضعف، ولكنه رجل أنصاري، فقال الرجل ما هو إلا ما رأيت ما في إلا الذي ترى يا عبد الله بن عمرو ما في إلا الذي ترى، فلما وليت دعاني، فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، أى لاحظ الآن العبارات، لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه.

 

فقال عبد الله بن عمرو بن العاص هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق” رواه أحمد، أى بمعنى هذه الخصلة التي جعلتك من أهل الجنة ومبشرا بالجنة وأنت في الدنيا، ونحن لا نطيق مثل هذا، فكان هذا رجل لا يبيت إلا وصدره سليمة على المسلمين، ما عنده غش لأحد، ولا حقد على أحد، ولا حسد على أحد، لأحد ممن من؟ من المسلمين، وبقية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مهما حصل بينهم من خلاف كانوا إلى المصافاة مسارعين، وإلى الإخوة وعودتها إليهم كانوا مبتغين، وقد حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء، وامتن على عباده بالتأليف بين قلوبهم، ولهذا المعنى حرم المشي بالنميمة، وقد رخصت الشريعة الكذب للإصلاح بين الناس، لدفع الحقد والبغضاء لإزالتها من القلوب، فقال ابن رجب “ورخص في الكذب في الإصلاح بين الناس، ورغب الله في الإصلاح بينهم، وما أعظم الأجر في الإصلاح بين الناس ولو كذب.

 

فإنه حلال أكذب إن استطعت الإصلاح بين الناس، أكذب لكي تزول الضغينة والبغضاء من القلوب، فقل أن الشخص لم يقل فيك كذا، أو أنا كنت حاضرا، ما ذكر هذه الكلمة، فإن الكذب فيها هنا حلال، كل ذلك من أجل أن تلتئم قلوب المؤمنين، وأن تتصافى النفوس، وأن يكون المجتمع متآخيا مترابطا على هدي هذه الشريعة، فإن هناك كثير من الآداب المفقودة بين المسلمين، وهذه الآداب المفقودة تسبب أنواعا من الوقوع في الإثم والعدوان، وكثير ممن الناس يستهينون بباب الأخلاق والآدب مع أن باب الأخلاق والآداب من الأمور العظيمة التي هي من مزايا هذه الشريعة ومن محاسنها، وبعض الناس يهتمون بأمور المعتقد والفقه والعلم، وينسون أن هذا الدين متكامل لا بد أن يكون المسلم فيه متخلقا بأخلاق الإسلام، متأدبا بآداب الشريعة، ومن مآسينا في هذا الزمان، وفي ضمن دائرة الابتعاد التي ابتعدنا فيها عن الإسلام يوجد هناك كثير من النقص، وكثير من العيب.

 

ومن ضمنه هذه الأمور المفقودة في باب الأخلاق والآداب، وهذا باب واسع جدا، فقد تفشي داء الحقد في هذا الزمان، وإن الحقد مرض خطير، ومرض متفش في هذا الزمان، وكثير من الناس يحقدون على بعضهم البعض، والحقد بين المسلمين من مآسينا في هذا العصر، والحقد من معانيه الضغن والانطواء على البغضاء وإمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها، أو سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة أو طلب الانتقام، والغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي فورا رجع إلى الباطل واحتقن في النفس فصار حقدا والحقد من مرادفاته الضغينة والغل والشحناء والبغضاء، وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى