مقال

الدكروري يكتب عن الأربعون تمام العقل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الأربعون تمام العقل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه عندما يصل الطفل إلى السابعة من عمرة فيقول صلى الله عليه وسلم “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع” ويصل إلى الأربعين، فإذا الله عز وجل يقول فى سورة الأحقاف ” حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على” فإن الأربعون تمام العقل، وتمام القوة، وتمام الإِرادة والعزيمة، والأربعون رقيّ الفهم، ونضوج في الإِدراك والمعرفة، ويقول بعض العلماء إذا بلغ ابنك الأربعين ولم يهتد فاغسل يديك منه، لكن بعد أن يصل الأربعين ثم لا يهتد، ثم لا يتعرف على بيوت الله، ولم يسجد لله، ولم يكن عبدا لله ولم يخلص لله، فاعلم أنه هالك إلا أن يتداركه الله عز وجل برحمته، ويصل القرآن مع الإنسان فإذا شيبه قد أنذره.

 

فقال ابن عباس رضى الله عنهما وهو يقرأ قوله سبحانه وتعالى فى سورة فاطر ” أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير” قال النذير هو الشيب، وهو من شاب رأسه، أو شابت لحيته، ثم لم يكن له رادع ولم يكن له منذر وواعظ، فاعلم أنه رجل مخذول أصابه خذلان، ويقول الإمام أحمد لما رأى الشيب في لحيته في المرآة، والله ما وصفت الشيب إلا كشيء كان في الشباب والله ما وصفت الشباب إلا كشيء كان في يدي ثم سقط، ولكن أتدرون ماذا فعل المشيب؟ الآن الذين هم منا في السبعين والثمانين كَلت أبصارهم، وضعفت أسماعهم، واحدودبت ظهورهم، وملوا الحياة، لا نوم ولا هدوء ولا لذة للطعام، إلا من رحم الله عز وجل، فيقول تعالى فى سورة يس ” ومن نعمره ننكسه فى الخلق أفلا تعقلون”

 

ومن نعمره في الحياة نعيده فيصبح عقله كعقل الطفل، وإدراكه كإدراك الطفل، وفهمه كفهم الطفل، فإذا الرجال ولدت أولادها، وإذا أتى لأولادك أولاد وأصبحت جدّا فانتظر الموت، وانتظر لقاء الله، وقال سفيان الثوري “من بلغ الستين فليشترى كفنا” وقيل نام قيس بن عاصم عنده عشرة أبناء، وكان أغنى العرب، لكن كل شيء له دواء إلا الهرم، وكل شيء له علاج إلا كبر السن، كان عنده عشرة من الأبناء وهو سيد قبيلة بني تميم، وعنده من الذهب والفضة والإِبل والبقر والغنم ما الله به عليم، لكن ما كان ينام الليل كان عمره ثمانين، إذا أتى لينام أتاه السعال والزفرات والهم والغم فيقول له أبناؤه أزعجتنا ما تركتنا ننام، فقد أشتكي الثمانين، وأبكي من الثمانين سنة، ولكن ما هو حسن الختام، وما هو التاج الذي يمكن أن يتوج به الإنسان في حياته؟

 

إنه العمل الصالح، ويأتي الإسلام فيقول للإنسان إذا أتتك سكرات الموت فاحرص على أن تموت على لا إله إلا الله يقول عليه الصلاة والسلام “من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة” ولكن كيف؟ لا يثبت على لا إله إلا الله إلا المؤمن، ولا يقولها في سكرات الموت إلا مؤمن، فيقول تعالى فى سورة إبراهيم ” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء” وذكر الذهبي أن أبا زرعة رحمه الله حضرته سكرات الموت فأغمي عليه فأراد تلاميذه أن يذكروه بقول لا إله إلا الله وهو مغمى عليه، ولكن استحيوا أن يقولوا له قل لا إله إلا الله لأنه شيخ إمام المسلمين أبو زرعة قالوا نتذكر سند حديث لا إله إلا الله فإذا ذكرناه السند سوف يتذكر المتن لأنه محدث.

 

ولكنهم هم من هول المصيبة وهول الكارثة نسوا السند فقال أحدهم حدثنا فلان عن فلان ثم سكت، وقال الثاني حدثنا فلان عن فلان عن فلان ثم انقطع، فقال أبو زرعة حدثنا فلان عن فلان حتى أتم السند عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة” ثم مات رحمه الله، وأما ابن القيم فيحكي عن العابثين الماجنين السفهاء المغنين وهم في سكرات الموت فيقول “قيل لسفيه معربد وهو في سكرات الموت قل لا إله إلا الله، قال أين الطريق إلى حمام منجاب؟ قال فمات عليها” لأنه عاش عليها ومن شب على شيء شاب عليه ومات عليه، فيقول تعالى فى سورة العنكبوت ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”

 

وقيل لأحدهم وهو في سكرات الموت قل لا إله إلا الله، فأخذ يردد ما كان يستمع إليه في الدنيا من الأغاني فيقول هل رأى الحب سكارى مثلنا، ولا حول ولا وقوة إلا بالله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى