مقال

الدكروري يكتب عن عناية رجال الحديث بالسند

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عناية رجال الحديث بالسند
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد كانت عناية رجال الحديث بالسند ورجاله في سبيل توثيقهما والحكم على الحديث بصحة نسبته أو بعدم صحتها، عناية فائقة، لم يجد معها المغرضون ولا الناقدون أية ثغرة ينفذون منها إلى توجيه أي نقد ينال من الأسس والقواعد، التي وضعت لوزن الأسانيد ورجالها، وما بني على ذلك من أحكام كان لها آثارها في الحكم على الحديث قوة وضعفا وقبولا وردا، كما كان لها الأثر البالغ في التعرف على كثير من الأحاديث الموضوعة، وتمييزها من الأحاديث الصحيحة، وقد كانت هذه القواعد والأسس نتيجة بحث دائب في بيان حال الرواة وسيرتهم، وعمن أخذوا عنه، وعمن أخذ عنهم، ومن عاصرهم ومن لم يعاصرهم، وفي بيان من عرف منهم بالضبط، والحفظ، والاتفاق، والصدق.

ومن كان منهم على خلاف ذلك من الكذب والوضع أو السهو، أو سوء الحفظ، أو التدليس، أو عدم الضبط، وفي بيان طرائق سماعهم وتحملهم، وذلك بحسب ما وصل إليه جهدهم، وانتهى إليه تحريهم وبحثهم، ولم تصل أمة من الأمم،إلى ما وصلت إليه الأمة الإسلامية في ذلك من الدقة والتحقيق، وفي وضع الأسس والقواعد التي يبنى عليها الحكم على الأخبار وروايتها، ولهذا كان ما وجه من النقد إلى السنة النبوية من بعض المستشرقين أو الناقدين المغرضين أو غير المغرضين، ومن لف لفهم وخدع بأفكارهم موجها أكثره إلى ناحية المتن، فقد زعموا أن رجال الحديث لم يعنوا بالمتن عنايتهم بالسند، وأن ما وضعوه في سبيل الحكم على المتن من القواعد لم يكن كافيا لتمييز الصحيح من غيره.

مما كان سببا في عدم التعرف على كثير من الأحاديث الموضوعة، واختلاطها بالأحاديث الصحيحة، وكان ذلك بناء على ما وصل إليه تحريهم وبحثهم في سلامة أسانيدها، وتوافر الثقة في رجالها، وهي ثقة كما نعلم قامت على التحري، والسماع، والتقدير، وذلك أمر يتعرض للخطأ، وتختلف فيه الأنظار باختلاف الناس وتفاوتهم في أفكارهم وأنظارهم وبحوثهم، ويؤيد أصحاب هذا الرأي رأيهم هذا بذكر بعض أحاديث وردت في الصحاح، يرونها من ناحية ما دلت عليه غير مقبولة في عقولهم، أو معارضة لما هو معروف مسلم لديهم من الوقائع والقضايا، وذلك مثل ما أخرجه البخاري عن عامر بن سعد عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

” من اصطبح كل يوم تمرات عجوة، لم يضره سم، ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل ” وفي رواية ” سبع تمرات عجوة” وفي رواية أخرى ” من تصبح كل يوم بسبع تمرات” ومثله لمسلم عن سعيد بن أبي العاص، وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” متى تقوم الساعة؟ ” قال، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال ” إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة” قال أنس، ذاك الغلام من أترابي يومئذ، وقد مات أنس سنة ثلاثة ونسعين من الهجرة وهو ترب الغلام والواقع أن هذا النقد لا يخلو من حيف وجور، في الحكم على الجهود التي بذلها علماء السنة.

للحكم على الحديث من ناحية متنه، وإذا كانت جهودهم في هذا المجال من حيث التفصيل والمادة دون جهودهم في سبيل الحكم على السند ورجاله، فإن ذلك التفاوت لا يرجع إلى نقص أو تقصير بالنسبة لما يتطلبه النظر في المتن وحاله والحكم على الحديث بناء على ذلك، وإنما يرجع إلى أن أحوال المتن ليس لها ما لأحوال السند من تنوع وتعدد واختلاف، مما أدى إلى كثرة البحوث والعلوم المتعلقة بالسند.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى