مقال

هم بإستمرار ضد الشرعية

جريدة الاضواء

هم بإستمرار ضد الشرعية

كتب / يوسف المقوسي

كي تكون فلسطينيا، من الآن فصاعداً، تحصن باللامبالاة. امتنع عن التحسر على الماضي. يلزم أن لا يراودك الدمع. إن عنً على عينيك الدمع، فابكِ بصوت مبحوح. كن عديم الاحساس. وان شئت أن تغضب، فاصرخ ولا تدع أحد يسمع صراخك. كن مواطناً من جنس الشبح. تظاهر بأنك ما زلت كائناً طبيعياً في وطن طبيعي. إذا عنً على بالك أن تضحك، تشاءم، فالضحك في الزمن الفلسطيني مشبوه، إذ، لا يعقل أن بلاداً كهذه البلاد المقفلة في الجهات الأربع، تستسيغ البكاء. وإن شئت أن تساير احداً، فاكذب عليه. لا يجوز أن تكون كائناً سليماً وطبيعياً، في بلد يموت بصوت مرتفع. ولكي تكون مُتًسِقاً مع المرحلة، تحدث مع الموت قليلاً. فالموت يسير جنباً إلى جنب وفلسطين . صحيح انها لم تمت بعد. ولكنها تقتلنا كل يوم. يفترض في مثل هذه الحالة أن نتكلم بلا كلمات. نحن جمل غير مفيدة، مشروطة بانعدام المعنى والافق .

ومع ذلك علينا أن نعيش كأموات على قيد الحياة قليلا. تسأل لماذا هذا هكذا؟ إخرس. إخرس عن جد. من كان مثلك ومثلي لا يحق له أن يسأل. نحن قتلناها وها نحن نمشي في جنازتها. فلسطين لم تنتحر. لقد قتلناها. إياك أن تتهم فقط اصحاب الرتب العالية: الرؤساء والمواقع والمجالس والمؤسسات والدول الاجنبية الشقيقة والعدوة. لا تتهرب من مسؤولياتك. أنت متهم اولاً. لولاك. ولولا جبنك، وصلواتك السياسية الداعرة، وانسحاقك الدائم امام اصنامك التنظيمية. وتهافتك المستمر على المبايعة، ولولا عمى عينيك وقلبك، ولولا بيعك ضميرك ووقوفك في الصف بصلف الولاء، لما كانت فلسطين قد فقدت كل ما عندها وما حلمت به… هذه الفلسطين الساقطة، هي الابن الشرعي لك. لا تبرر جريمتك بجهلك. انت تعرف جيداً. أنت تنازلت عن الانسان فيك. فضَلت أن تكون حيواناً تنظيمياً… مع ضرورة الاعتذار من الجنس الحيواني، لأنه لا يخون ابناء جنسه… هل فهمت أيها الخائن .؟

على الضفة الأخرى، نرى أن الافعال ظلال. ليس لائقاً أن نبقى في مناحة وأحزان. فلنكف عن سباب وشتم وتعهير الطغمة السياسية، أكثر البهائم وعياً بمصالحها ومستقبلها. عمر هذه الطغمة، او هذه السلالة المزمنة عشرات الأعوام… لم يعد مجدياً تحميلها كل آثامها وجرائمها. تعبنا من ترداد ومراكمة المدائح المهينة .

لم نعد نحتمل الكلام الذي بات شبيهاً بالعَلَف. ماشية تدب على غرائزها. تقوس ظهورها ليطمئن الزعماء إلى سلامة ومتانة الركوب.
خَلص. هذا المًوال غنيناه في الشوارع وبحناجر صارخة وقبضات أصابت الهواء فقط… لم يصب أحد منهم بلكمة .

الحزبيون ينالون حظوظهم. انهم فائزون دائماً. لقد احتفظوا بزعاماتهم بعرق اصواتهم، ونعال ولاءاتهم، وعهر جباههم. مبروك للحزبيين هذا الانهيار المجيد، الذي لا شبيه له، مذلة وعاراً وعهراً… برغم الموت السياسي الراهن، ويسمى تلطفاً، ازمة سلطة او حكومة أو ازمة نظام، الخ…

برغم ذلك، فإن الحيوية التنظيمية تزداد تضخماً. انهم قرروا أن يسرقوا مواقع المواطنين العلمانيين والديموقراطيين والطافرين من التنظيمات منذ ما قبل الولادة… ويا حيف. كل قطيع يقطع الطريق ويصوب اتهاماته إلى الفريق الحزبي، شريكه وغريمه. بانتظار أن تتم المصالحة. رقصة الاعداء، نعرفها جيداً. التنظيمات تشتبك، تتصارع، تتطاعن، تتشاكى، تستعين بالأصدقاء والاعداء، وبإشارة تنزل القطعان التنظيمية لتقطع الطرقات وتصوب هتافاتها للخصم الحزبي… عادة تنتهي المعارك، مهما طالت، بصفقة تحتاج إلى صفقات، ليستقيم مسار الاعوجاج الوطني لسنوات قليلة… هذه الامثولة مُثلت مراراً، وحفظناها عن ظهر قلب. وحثالة الجماهير التنظيمية تدعي انها تخوض معركة حقوق ومصالح ونظام، فيما هي معركة مطلبية متكالبة على الحصص والمنافع والمواقع والارصدة… “رجال الدولة” في فلسطين ، هم باستمرار ضد الدولة. اما أن تكون الدولة لهم، كما يريدونها، او لا تكون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى