مقال

المعجزة الخالدة ” جزء 6″

المعجزة الخالدة ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع المعجزة الخالدة، كما في الحديث أن ملك الموت وأعوانه يصعدون بها إلى الله حين قبض الروح من العبد مباشرة، فناسب أن يكون غذاؤها من المكان الذي خلقت منه كالجسد وغذاؤه ففرضت هناك، فأصبحت معراجا روحيا بينك وبين الله، فالصلاة معراج للأرواح والنفوس، وهي خمس مرات كل يوم في الأداء، وخمسون في الأجر والثواب عند الله، وإشارة إلى أن المسلم يسمو بنفسه وروحه فوق الشهوات والشبهات، ودائما يتطلع إلى المعالي، ويتعلق بالمثل الأعلى في كل شيء من قيم الحياة، فلا يرضى بالدون أو المؤخرة، وثمة حكمة أخرى من فرضية الصلاة في السماء، وهو أن الصلاة هي العبادة الوحيدة التي يشترك فيها أهل السماء مع أهل الأرض، لأن الملائكة لا تزكي لأنها لا تملك المال، ولا تأكل ولا تشرب حتى تصوم.

 

ولا تتناكح ولا تتناسل حتى تؤمر بصلة الأرحام وضوابط المعاملات، وإنما هي أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل بأشكال حسنة، مفطورون على العبادة، منهم الراكع لا يرفع رأسه، ومنهم الساجد لا يرفع رأسه، ومنهم المسبح ومنهم القائم، وكرم الله عز وجل الإنسان لأنه جمع في صلاته أنواع صلوات الملائكة من قيام وركوع وسجود وتسبيح وغيرها، فالملائكة يسبحون بالليل والنهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، وإذا كانت الملائكة تقول ذلك حياء من التقصير مع أن الراكع والساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة فماذا نقول نحن لله؟ لذلك ناسب أن تفرض الصلاة في السماء لاشتراك أهل السماء مع الأرض فيها، ولو جئنا إلى التطبيق العملي لوجدنا أن الكثير من الناس يغفل عن هذا المعراج الروحي من خلال الصلاة والعبادة.

 

ويهتم بأمور الدنيا وشهواتها وملذاتها وبعد ذلك يقول إنني في ضيق وغم وهم وحزن، وإن الحياة بدون عبادة حياة خاوية الروح، مظلمة الفكر، منتنة الطبع، متعفنة الفطرة، مرة المذاق، ولا أدل على ذلك من حالات الناس في تلك المجتمعات التي فقدت السلطان الروحي حيث يندفع الكثير منهم إلى الانتحار نتيجة القلق النفسي، فإن عبادة الله سبحانه وتعالى بها يحفظ التوازن بين مطالب الجسم ورغائب الروح، وبين دوافع الغرائز ودواعي الضمائر، وبين تطلعات العقل وأشواق القلب، وهي مدد ووقود لجذوة العقيدة التي تنير جوانب النفس ولذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى” رواه أبو داود، وكلما أحس صلي الله عليه وسلم بضيق أو هم فكان يقول “أقم الصلاة يا بلال أرحنا بها” رواه أبو داود، فكلما بعدت عن العبادة والطاعة كنت في ضيق وغم.

 

وقلق نفسي وتوتر وضنك، والشفاء والعلاج في صلتك بالله،ومن هنا يقول تعالي كما جاء في سورة طه ” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشرة يوم القيامة أعمي، قال رب لما حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا، قال كذلك آتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي” فضلا عن أن الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال وإنما يعتريها التخفيف، أما الصوم والزكاة والحج فهي عبادات تسقط بالكلية عند عدم الاستطاعة، كما أن الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، لذلك كله ناسب أن تفرض في السماء، فما أحوجنا إلى المحافظة على هذه الفريضة العظيمة التي أكرمنا الله عز وجل بها في ليلة الإسراء والمعراج عن طريق نبيه المصطفي صلى الله عليه وسلم، وقد أظهر النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج أدبا جما، ولهذا قال الله تعالي في سورة النجم.

 

” ما زاغ البصر وما طغي” أي أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الرحلة المباركة لم يلتفت ميمنة ولا ميسرة تأدبا مع ربه عز وجل، حيث فرض الله تعالي عليه في ذلك الموضع الجليل والمكان العظيم الصلوات خمسين صلاة في اليوم والليلة، وفي أوبته قابل موسى، وكأن الله أراد أن يرحمنا بموسى، وأخبره موسى أنه بلى الناس قبله وأن أمته لا تطيق هذا، فما زال صلى الله عليه وسلم يُراجع ربه حتى استحيا، فاختصم عنده صلى الله عليه وسلم أمران حياؤه من ربه، وشفقته على أمته، فاختار الحياء مع ربه وقال لأخيه موسى عليه السلام “إنني استحييت من كثرة مراجعة ربي” فإذا بمنادي أن أمضيت فريضتي، وأنني كتبت لهم أجر خمسين صلاة فهي خمس صلوات في اليوم والليلة بأجر خمسين صلاة رحمة من الله وفضلا علينا، وإكراما لنبينا صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى