مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سعد ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سعد ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام إبن سعد، فقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن الحسين بن الفهم قال ” كنت عند مصعب الزبيري فمر بنا يحيى بن معين، فقال له مصعب يا أبا زكريا حدّثنا محمد بن سعد الكاتب بكذا وكذا، فقال له يحيى كذب ” وهذه العبارة من يحيى بن معين كادت أن تعكر على ابن سعد مكانته الحديثية، ولا سيما أنها صدرت من إمام جبل عارف بأحوال الرّجال، غير أن العلماء لم يحملوا هذه العبارة على ظاهرها، ووجهوها توجيهات أخرى ودافعوا عن ابن سعد بما يليق بحاله، فقال الخطيب البغدادي معقبا على تلك الحكاية ” ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعبا الزبيري ذكر ليحيى عنه حديثا من المناكير التي يرويها الواقدي فنسبه إلى الكذب ” وقال السمعاني ” لعل الناقل عن ابن معين.

 

بأنه غلط أو وهم لأنه من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته” وقال الذهبي ” هذه لفظة ظاهرها عائد إلى الشئ المحكي، ويحتمل أن يقصد بها ابن سعد، لكن ثبت أنه صدوق ” ولعلّ ابن سعد أوتي من قبل شيخه الواقدي، وإكثاره من الرواية عنه ومعلوم حال الواقدي عند المحدّثين، وقد أفصح ابن الصلاح عن ذلك بقوله هو ثقة، غير أنه كثير الرواية عن الضعفاء، ومنهم الواقدي، وهو محمد ابن عمر ” وقال السخاوي عند ذكره لابن سعد وهو في نفسه ثقة والمرء قد يضعف بالرواية عن الضعفاء مثل هؤلاء، لا سيما مع عدم تمييزهم، ومع الاستغناء عنهم بمن عنده من الثقات الأئمة ” وفي الجملة فإن كلام ابن معين في ابن سعد مُجمل غير مفسّر، ومعلوم أن ابن معين من المتعنتين في الجرح، وقد قابل كلامه توثيق أئمة معتبرين في هذا الشأن.

 

وعلى رأسهم أبو حاتم الرازي حيث قال يصدق، رأيته جاء إلى القواريري، وسأله عن أحاديث، فحدّثه “. والقاعدة تقول: إذا ضعّف الناقد المتعنت راويا ووثقه آخر مُعتبر، فلا يقبل منه جرحه إلا مفسّرا، وهي تنطبق تماما على ما نحن فيه وفي الحكاية التي ذكرها أبو حاتم عن ابن سعد مع عبيد الله بن عمر القواريري، دليل واضح على صدق ابن سعد وتواضعه، إذ القواريري من أقرانه، فلم يستنكف ابن سعد أن يسأله عن أحاديث شيوخ قد شاركه في الرواية عن كثير منهم، أو بعضهم، وقيل أن في الطبقات وهو في القسم الذي خرّجت أحاديثه وآثاره حديث قال فيه ” حدثنا سفيان بن عيينة قال سمعت جعفر بن محمد يُخبر عن أبيه، لعله إن شاء الله عن جابر بن عبد الله ” فذكر خبرا ثم ساقه بعد ذلك بواسطة فقال ” أخبرنا بعض أصحابنا، عن سفيان ابن عيينة أنه سمع منه هذا الحديث.

 

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر ابن عبد الله، ولم يشك ” وهذا دليل آخر على تحرّيه وصدقه، وأنه لا يستجيز التدليس عن شيوخه، مما يزيد في مكانة هذا الإمام، وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن ابن سعد، فقال صدوق ، رأيته جاء إلى القواريري وسأله عن أحاديث فحدثه، وقال ابن سعد في ذكر البدريين حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن أيوب عن محمد، قال لما احتضر أبو طالب، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا ابن أخي إذا أنا مت، فائت أخوالك من بني النجار، فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم، وعن سليمان بن إسحاق بن الخليل قال سمعت إبراهيم الحربي يقول كان أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل إلى ابن سعد يأخذ منه جزءين من حديث الواقدي ينظر فيهما، قال إبراهيم ولو ذهب سمعهما كان خيرا له، وعن بن سعد عن ابن أبي فديك.

 

عن الضحاك بن عثمان، عن يحيى بن سعيد أو عن شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك قال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز، فقال الضحاك فكنت أصلي وراءه ، فيطيل الأوليين من الظهر، ويخف الأخريين ويخف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في الصبح بطوال المفصل، وقال تلميذه الحسين بن الفهم في ترجمته التي أضافها إلى الطبقات” كان كثير العلم، كثير الحديث والرواية، كثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه ” ومن مصنفاته، هو الطبقات الكبير، وخبر النبي، والطبقات الصغـير، وكتاب التاريخ، والزخرف القصري في ترجمة الحسن البصري، والقصيدة الحلوانية في افتخار القحطانيين على العدنانيين.

 

وقد ورد في وفاته ثلاثة أقوال، أولها وأرجحها ما كتبه تلميذه الحسين بن الفهم حيث قال” توفي ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين، ودفن في مقبرة باب الشام، وهو ابن اثنتين وستين سنة ” فهو أعرف الناس به، لكثرة ملازمته له، بالإضافـة إلى أن أغلب المصادر ذكرت هذا التاريخ، وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ” توفي سنة ست وثلاثين ومائتين” ويبدو أن ما في الجرح والتعديل وقع فيه تصحيف لأن ابن الجزري في طبقات القراء نقل ترجمة ابن سعد من الجرح والتعديل وصرّح بذلك ثم حدد وفاته بثلاثين ومائتين، ولم يشر إلى خلاف في ذلك، وكما قيل أنه مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين للهجرة وأما الكتاني، فقد أضاف قولا رابعا في تاريخ وفاته، حيث قال” توفي ببغداد سنة ثلاثين، أو خمس وثلاثين ومائتين” ولم يقل بهذا أحد غيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى