مقال

الخوف من الله من سمات المؤمن

جريدة الاضواء

الخوف من الله من سمات المؤمن

بقلم / هاجر الرفاعي

الخوف المحمود هو ما دفع صاحبه إلى عمل الطاعات، وحجزه عن فعل المحرمات.وأحسن من عرَّف الخوف ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله،يقول: ” حد الخوف ما حجبك عن المعاصي، وما زاد فلا يُحتاجُ إليه “، وصدق رحمه الله.

 

قال ابن رجب : “القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم؛ فإن زاد على ذلك؛ بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات؛ كان ذلك فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك؛ بأن أورث مرضاً أو موتاً أو وهماً لازماً؛ بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل؛ لم يكن محموداً”.

 

قال ابن القيم: ” السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح الخوف على الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف.و قال: ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإذا غلب الرجاء فسد.

‏وقد يسأل سائل:كيف نحقق الخوف من الله عز وجل؟نقول هناك أسباب إذا أخذت بها أورثتك خوف الله وخشيته وهي:الأسباب التي تورث الخوف من الله:

 

فاولا تذكر عظمة الله وكبريائه ومعرفة حقارة النفس.فمما يستجلب به الخوف: معرفة أسماء الله وصفاته وقوته وجبروته وعظمته، فمن عرف الله حق معرفته خاف منه حق خوفه، ولذلك كان السلف يقولون: من كان لله أعرف فهو لله أخوف.قال ابن قدامة:فقوة المراقبة والمحاسبة بحسب قوة الخوف، وقوة الخوف بحسب قوة المعرفة بجلال الله تعالى، وصفاته، وبعيوب النفس، وما بين يديها من الأخطار والأهوال .

 

فمن تأمل أسماء الله وصفاته ونظر فيها بعين الإيمان، وتأمل فيها ونظر لنفسه بالعجز، علم وأيقن أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه لو عذب أهل السموات والأرض لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم.وهذه بعض النصوص التي تبين قدرة الله وقوته وجبروته سبحانه وتعالى.

 

في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء حبر من أحبار اليهود إلى رسول الله فقال: يا محمد، إنا نجد عندنا أن الله عز وجل يجعل السموات على إصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع،ثم يهزهن ويقول: أنا الملك. فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله :” وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”هذه الآية قرأها النبي صلى الله عليه وسلم فرجف به المنبر حتى قال الصحابة ليخرنّ به ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول (( يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده و قبض يده فجعل يقبضها و يبسطها ثم يقول أنا الجبار أين الجبارون أين المتكبرون)) ويتمايل الرسول صلى الله �الله عليه وسلم عن يمينه وشماله حتى نظر صحابي إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى قال أساقط هو برسول الله؟!!

 

وعند مسلم من حديث أبي موسى قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال” إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور وفي رواية (النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه”. فعلى قدر العلم بالله و بأسمائه وصفاته ونعوت جلاله، ومعرفة العبد بنفسه؛ يكون الخوف والخشية، كما قال النبي : ((أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية)).ويقول تعالى عن الأنبياء عليهم السلام:” الَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ” وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله” يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ”.بل إن الله عز وجل حصر خشيته في صنف واحد من الناس ألا وهم العلماء فقال تعالى” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ”

 

تدبر القرآن: قال ابن القيم:ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته.قال تعالى” كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ”يقول ابن الجوزي: (( والله لو أن مؤمناً عاقلاً قرأ سورة الحديد وآخر سورة الحشر وآية الكرسي وسورة الإخلاص بتفكر وتدبر لتصدّع قلبه من خشية الله وتحيّر من عظمة الله ربّه)).

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قَالَ: «نَعَمْ» فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ» فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ”

 

ويقول عبد الله الشخير بن عوف – رضي الله عنه – : رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء.وها هو عمر بن الخطاب يقرأ سورة الطور حتى إذا بلغ قول الله عز وجل “إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ” بكى واشتد بكاؤه، حتى مرض وعاده الناس.

 

التفكر في سوء الخاتمة:السعيُ لحسن الخاتمة غايةُ الصالحين، وهمةُ العباد المتقين، ورجاء الأبرار الخائفين، قال الله تعالى: وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”

 

وقال تعالى في وصف أولي الألباب: رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ” وقال تعالى عن التائبين: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ”

‏وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل – كقلبٍ واحد يُصرِّفه حيث يشاء»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم مُصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك»؛ رواه مسلم. فمن وفَّقه الله لحُسن الخاتمة فقد سعِدَ سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، ولا كربَ عليه بعد ذلك التوفيق، ومن خُتِمَ له بسوء الخاتمة فقد خسِر في دنياه وأُخراه.

قال البخاري في “صحيحه”: “قال ابن أبي مُلَيْكة: أدركتُ ثلاثين من الصحابة كلهم يخافُ النفاقَ على نفسه”.

وقال ابن رجب: “وكان سفيان الثوري يشتدُّ قلقه من السوابق والخواتم، فكان يبكي ويقول: أخافُ أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخافُ أن أُسلَبَ الإيمان عند الموت”.وقام ليلة يبكي حتى أصبح فلما سألوه:أكل هذا خوفا من الذنوب؟فقال وقد امسك تبنة من الأرض:والله لذنوبي أحقر عندي من هذه،ولكن أخشى سوء الخاتمة!!وقال بعض السلف: “ما أبكى العيون ما أبكاها الكتابُ السابق”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى